تعرف مدينة شفشاون إقبالا متزايدا كوجهة سياحية للمغاربة من مختلف الأقاليم والأجانب من شتى بلدان العالم، غير أنه عوض الحرص من طرف السلطات العمومية والجماعة الحضرية على حماية جمالية المدينة وخصائصها الطبيعية والمعمارية وتهييئ الظروف الملائمة لحسن استقبال وراحة الزوار فإن هناك ظواهر كثيرة تصب في الاتجاه المعاكس، وقد أثار الأستاذ عبد الجواد الخنيفي من شفشاون في مراسلة لجريدة هسبريس بعض الجوانب التي تؤثر سلبا على السياحة كمورد أساسي للمدينة، ونظرا لأهمية المراسلة ننقلها فيما يلي:
لم تعد الطّريق في الكثير من الأزقة بمدينة شفشاون ذات معنى، بعدما طالتها تأثيرات سلبية وجرّدتها عنوة وفي واضحة النّهار والفصول من حواسّها الخمس ومن رونقها ومن سكينتها ومن مسافاتها الفسيحة التي كانت مفتوحة على حضارة جميلة، حيث صارت كلها احتلالات عشوائية، أبطالها سلع ومواد معروضة للبيع هنا وهناك، احتوت الجدران والأرصفة والطرق والأبواب، ممتدّة من شارع “السيدة الحرة” إلى ما بعد “دبنة المخزن”.. ومن باب السوق عبر شارع الحسن الأول.. وصولا إلى نبع رأس الماء الذي أمسى جسداً مشوهاً بلا ملامح ولا روح.
كان الكل بشفشاون يراهن على السياحة والصناعة التقليدية كموردين أساسيين يستفيد منهما الجميع، ويعمل على تطويرهما ورعايتهما وترشيدهما بعقلانية صوب الأفضل. وكان الكل يأمل في أن يرى المدينة “المفترى عليها” من أفق القلب، ومن أفق المصلحة العامة، ومن نظرة تنفتح على التنظيم الذي قد يشكل حدثا فاصلا نحو المزيد من الاستقطاب السياحي ويجعل كل من موقعه يمضي بالمدينة بثقة إلى المستقبل.
كنا نتمنى وما زلنا… لكن العديد من المظاهر أبانت أن المدينة غدت مجرد أرقام عند البعض. في الوقت الذي يحسّ فيه كل غيور بأنّها أيضاً تتوفّر على مشاعر وحواسّ وتكاد تصرخ جرّاء ما يحصل لها.. بل وتكاد تحتجّ لتقول: أنقذوا ما تبقى منّي.. أنقذوا هويّتكم من هذه الصّدمة العنيفة.
ن شريان المدينة “رأس الماء “، الذي كان معبراً طبيعياً يتباهى به السائح والزّائر قبل سكان المدينة وفعالياتها الثقافية والجمعوية والحقوقية والسياسية وينصت فيه كل عابر إلى إيقاعات الماء ونبض الأشجار وعتبات البياض وممرات الأحجار ومقامات الأطيار، أضحى اليوم ما إن تصل إلى بوابته (بوابة حي العنصر) حتى يصفعك بطوفان “الباشات” التي حجبت وجه الجبل وحوّلت المكان إلى سوق عشوائية؟ !
خسارات شتّى نشعر بها ونحن نبحث بين السّلع المبثوثة على جنبات الوادي عن موضع قدم، وبصفعات أخرى أشدّ ونحن نرى وسط النّبع قد تحوّل إلى مطاعم ومقاهٍ، وصار مسقوفاً ومختنقاً بالمظلات… فضاع مع كل هذا الوادي في رمشة عين.. كما أضحت مجاري المياه في اتجاه “الصبّانين” مجرّد ذكريات جميلة ألغتها خراطيم بلاستيكية عديدة سيطرت بشكل منظّم على المكان.. وكأن هناك أيادٍ تريد مسخ المدينة ومسح هويّتها والنّيل من قيمتها التّاريخية ورصيدها الكوني.
فإذا كنّا مع الحقّ في العيش وفي الحصول على القوت اليومي من قبل فئات عريضة من أصحاب المهن المناسباتية وغيرها… فإنّنا أيضا مع حفظ كرامة المدينة باعتبارها مشتركاً جماعياً، بعدم التطاول عليها واستغلال ملكها العمومي بأبشع الصوّر..
رجاءً انتبهوا إلى مدينة مولاي علي بن راشد والسيّدة الحرة، التي تنتظر منّا مواجهة التّشويه والقبح بنضج تدبيري فاعل.. التفتوا إلى قيمتكم المعنوية والاعتبارية المتبقّية، وإلى نبض المكان والإنسان.. التفتوا إلى بيتكم الأول والأخير شفشاون، حتى لا تتحوّل يوماً إلى أفق للأشباح.. إلى صفة للنّسيان…