الرئيسية/أخر المستجدات/مصلحة المغرب تقتضي الوقوف بجانب القضية الفلسطينية والمقاومة في غزة .. والخروج العاجل من فخ التطبيع واتفاقيات أبراهام؟
مصلحة المغرب تقتضي الوقوف بجانب القضية الفلسطينية والمقاومة في غزة .. والخروج العاجل من فخ التطبيع واتفاقيات أبراهام؟
د طارق ليساوي*/
حاولت من مقال ” دور الإعلام العربي المتصهين في غسل جرائم الصهاينة ضد إخوتنا في غزة ” ، رصد بعض ملامح الغثائية و الانحطاط الإعلامي و السياسي الذي تعاني منه الأمة ، فمن المؤسف أن نرى أن الأمة الواحدة التي وصفها نبي الإسلام بالجسد الواحد ، عضو منها ينزف دما و ألما و بعض أعضاءها ترقص فرحا و سرورا!! من العيب أن نشهد هذا الكم من الإجرام في حق إخواننا في غزة الجريحة ، و بعض وسائل الإعلام تغني و ترقص ، بل بلدان كنا نوقرها و نعتبرها حامية الإسلام و بلاد الحرمين ، تطلق موسمها في هذا الظرف الأليم ، ماذا لو تم تأجيل هذا الأمر الثانوي إلى وقت لاحق ، و لو من باب الخجل؟!! ..من المخزي أن نرى البعض يرقص في سهرات حاشدة ماجنة، في ذات الوقت الذي تقصف فيه غزة بأخطر و أقبح أنواع الأسلحة …
فالإسلام وصف الأمة بالجسد الواحد و رسخ ووثق رباط الأخوة في العقيدة، و هذا ماربى عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ شعار “الجسد الواحد” جسد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حفظناه منذ الصغر دون أن نتدبر معانيه “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”..
و اليوم غزة تشهد إبادة جماعية و تكالب عليها الغرب و الشرق ، القريب و البعيد ، و ترتكب في حق شعبها أبشع الجرائم و أشنعها، و ترتكب هذه الجرائم بغطاء عقدي و ديني ، حفنة من الصهاينة تقتل و تحرق و تشرد شعبا أحتلت أرضه منذ 1947 و أرتكبت في حقه أبشع الجرائم و أخطرها ، و كل ذلك تحت أنظار أمة واحدة تعدادها يقترب من المليارين ، و تمتلك من المقومات و المؤهلات ما يؤهلها لوقف هذ الظلم و العدوان ، لكن لا حياة لمن تنادي ..
أمة لا تدين حقا و حقيقة بالإسلام و قيمه الصحيحة ، أمة لا تعتقد فعلا و لا تؤمن حقيقة بأنها جسد واحد..!! و لم يكن نبي الإسلام مجانبا للصواب عندما إختار وصفا دقيقا لوحدة الأمة و تضامنها ، فعليه الصلاة و السلام ضرب لنا مثلا من أنفسنا ومن أجسادنا كأن الذي يصاب من أهل الإيمان هو جزء من جسدك انت فقال “إذا اشتكى منه عضو” ولم يبين هنا المشتكى منه فربما يكون “فقرا أو اجراما أو استبدادا أو هضما للحق أو مرضا أو ظلما أو خوفا أو دكتاتورية أو سجنا أو غيرها من الاقضية الالاهية…”
رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه بتحميله المسؤولية على هذا الجسد في تفاعله مع هذا العضو المشتكي يحملك بذلك أنت أيها المسلم المسؤولية في التضامن والتناصر والتناصح والتعاون مع هذا العضو المريض المشتكي لأنك تعتبر عضوا في هذا الجسد الإسلامي الكبير، فإن أردت أن تعرف مقدار إيمانك انظر إلى نفسك إذا اشتكى اخوك في الإيمان أو إذا اشتكت مجموعة من المسلمين! هل يفر النوم عن كل جسدك فلا تكتحل به عين؟ هل تجد حرارة عمت جسدك حرقة وتأسفا واندفاعا للذود عن اخوانك ام انه جسد بلا سهر ولا حمى؟
و قال تعالى في محكم كتابه : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾( أل عمران 110) فخيرية الأمة مشروطة بالأمر بالمعرف و النهي عن المنكر ، و هل هناك منكر أكبر مما يحدث على أرض فلسطين المحتلة عامة و غزة خاصة ، من جرائم إبادة جماعية يرتكبها الاحتلال الصهيوني بدعم من صناعه و حماته و أعوانه، جرائم يصعب عدها أو حصرها، فيكفي أن نعلم أبناءنا أن فلسطين تم اغتصابها و سرقتها من أهلها بقوة السلاح و الغدر و التأمر، من قبل عصابات صهيونية و شداد أفاق و بتحالف مع حكام عرب …
فالدفاع عن قضية فلسطين و عن المسجد الأقصى هو جوهر التدين السليم ، فلا إسلام لمن باع أو خان أو طعن فلسطين و المسجد الأقصى في الظهر …و عندما أكتب أو أحاضر أو أدافع عن هذه القضية، فإني أومن بأنها قضيتي الأولى لأنها بالنسبة لي قضية دينية و ليست قضية حدود و تصفية استعمار، و دفاعي هذا أحسبه زكاة علم و شكل من أشكال التقرب لله عز وجل، فقد قال تعالى مخاطبا نبيه محمد عليه الصلاة و السلام : : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]…فالتدين ليس مجرد طقوس تعبدية كالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة ، و إنما هو أيضا دفاع عن الحق و العدل و مقاومة للظلم و الباطل، و في هذا السياق ليسمح لي القراء أن أستحضر بعض ما قال المفكر “علي شريعيتي” في مسألة التدين و حصر الدين في دور العبادة ، فقد حلل هذه القضية ببراعة ودقة شديدة ، و إعتبر أن ” الطّغاة على مر العصور لم يكن عندهم مشكلة مع الدين من حيث أنه علاقة بين الفرد وربّه، و لا أحد عنده مشكلة مع المساجد والحسينيات والكنائس ما دام الدين حبيساً فيها، مشكلتهم أن يخرج الدين إلى الحياة، أن يثور الشيعيّ على الظلم كما فعل الحُسين، ويُطالب السُّني بحكم كحكم عمر، ويُطالب المسيحي بالتورع عن استرقاق الشعوب الأخرى كما فعل المسيح! “
ويضيف “تستطيع في أي مكان في الدنيا أن تشق جبهتك وتسيل دمك وأنتَ تندب الحُسين، لن يعترضك أحد، مشكلتهم أن تفهم الدرس من استشهاد الحُسين، أن تقف بوجه الطغاة كما وقف، وتثور على الظلم كما ثار، يريدونك أن تلطم على الذي وقف في وجه طاغية ثم ترسل ابنك ليموت دفاعاً عن طاغية!”…”تستطيع بأي مكان في الدنيا أن تتغنى بعدل عمر، ولا بأس أن تذكر أنّه جاع عام الرمادة مع النّاس ما دمتَ لا تسألهم عن قصورهم، ولكَ أن تذكر أنه كان يخاف أن تتعثر دابة عند شاطئ الفرات فيسأله الله لمَ لمْ تُصلح لها الطريق يا عمر؟! ما دمتَ لا تسألهم عن الزّفت في الشوارع! تستطيع أن تفتخر أنه هدم إمبراطورتي الرّوم وفارس ما دمتَ لا تسألهم لماذا تسكتون عما يفعل الروم والفرس في سوريا والعراق! وتستطيع أن تتغنى كيف أتى إلى بيت المقدس فاتحاً، يمشي وغلامه راكب وفي ثوبه ثماني عشرة رقعة ما دمتَ لا تسألهم ما تفعل الجيوش في ثكناتها وبيت المقدس أسير؟!”
لكن للأسف ، مواقف أغلب البلدان العربية مواقف باهتة و متخاذلة ، و على إعتبار أني كاتب و أكاديمي ينتمي إلى المغرب الأقصى ، فإني ملزم بإدانة الموقف الرسمي للنظام السياسي المغربي، الذي أرى أنه موقف لا يرقى إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي …
و لعلك أيها القارئ الكريم تذكر مقالاتي التي أدنت فيها إتفاق التطبيع ،و من ذلك مقال “في الذكرى الأولى لاتفاق التطبيع بين المغرب و”إسرائيل”: حساب المكاسب والمثالب…” الذي حللت فيه بتفصيل ابعاد و تداعيات هذا الاتفاق المشؤوم، الذي أضر بصورة المغرب في العالم العربي و الإسلامي، خاصة و أن العاهل المغربي رئيس لجنة القدس ، بل إن الميزان التجاري في صالح الكيان و مكاسب المقاولات المغربية هامشية جدا و لا يمكن أن تحقق أي مكاسب ذات قيمة مستقبلا..المستفيد من الاتفاق هو الكيان الصهيوني الذي نجح في استقطاب دولة بحجم المغرب لها مكانة تاريخية بالغة الأهمية في دعم القضية الفلسطينية، و أيضا بموقعها الجيواستراتيجي المتميز…
و لا زلت أصر على ضرورة الخروج من هذا الاتفاق المشؤوم ، و العودة إلى الصواب و إنقاذ البلاد و العباد من تداعيات هذا الاتفاق ، خاصة و أن الاتفاق مع الكيان الصهيوني جاء في سياق خاص..
فاختيارات الدولة المغربية في السنوات الأخيرة ميزها التوجه نحو ليبرالية متوحشة، و قامت بالتضحية بالقيم و الأسس التي قامت عليها الدولة منذ حوالي 1400 سنة ، فالدولة تحاول تهريب نصوص و قرارات تعارض أسس و مقومات وجودها، و مجازا يمكن أن نشبه هذا التوجه بعملية صيد الأسماك المتناهية الصغر و المحرمة الاصطياد في أعالي البحار، و حصد الأخضر و اليابس، فالدولة المغربية قامت على أساس ديني و تحديدا على القيم الإسلامية، فقبل الإسلام لم تكن في المغرب دولة ، و أول دولة هي دولة الأدارسة، و التي إحتفظت باستمراريتها رغم اختلاف الأسر الحاكمة من المرابطين و الموحدين و المرينين والوطاسيين إلى العلويين ، فمن الأمور التي يفتخر بها غالبية المغاربة، أن لديهم دولة قديمة في التاريخ و أقدم عرش في التاريخ بعد العرش الياباني، فالدولة تحاول الضرب في دعاماتها و أساساتها ..
وأصل هذا التوجه الملغوم سياسيا، جاء من بوابة الاقتصاد والبرغماتية الاقتصادية، وبدعوى استغلال الرأسمال الرمزي، على اعتبار أن المغرب زاخر بالإرث التاريخي والثقافي الضارب في التاريخ، خاصة و أن المنظمات الدولية المهتمة بالثقافة كاليونيسكو، كل مرة تخرج بتصنيف جديد مفاده إدراج بعض العادات و البنايات التاريخية ضمن الثرات الإنساني..خاصة و أن الثروات المادية في طريقها للتصحر و التبخر، و كما تم تفقير الغالبية ماديا عبر التضخم و البطالة و تسليع الخدمات العمومية كالصحة و التعليم و فشل الاختيارات التنموية، فالبلاد بصدد موجة جديدة من التفقير” تفقير رمزي و روحي”، فرمزية هذا الوطن يتم تدويلها و سلعنتها و عرضها في المزادات الدولية تحت ذريعة المكاسب السياسية و الاقتصادية و الإشعاع الدولي..
فبعدما تم بيع وتجريف الموارد المادية، مررنا تدريجيا إلى مرحلة بيع الموارد الرمزية والقيمية، مقابل إعتماد القيم والأطروحات الغربية، وتفريغ الأجيال الصاعدة من انتماءها الحضاري و الديني و التاريخي و الثقافي، فأصبح التعليم أولوياته تخريج الياقات البيضاء و الزرقاء التي يحتاجها سوق الشغل، و ليس بالضرورة بناء هوية ثقافية ووطنية متشبعة بأصولها و موروثها الثقافي والتاريخي المستمد من الإسلام.. والتطبيع مع الكيان الصهيوني يندرج ضمن هذا التوجه العام، فالتطبيع يسوق بموجب قيم ظاهرها نبيل و باطنها باطل، كقيم التسامح و التعايش، و لا يختلف إثنين أن الأقلية اليهودية عاشت في المغرب و باقي البلدان الإسلامية، في تعايش مع الأغلبية المسلمة و الشواهد التاريخية و العمرانية دليل على ذلك…
والمغرب بحكم موقعه الجغرافي، استوعب الأخر وتعايش معه، لكن دون التفريط في الهوية الأصلية، فاليهود عاشوا في المغرب طيلة قرون وتمتعوا بحقوق، ضمن نطاق أهل الذمة وفق التصور الإسلامي، ووفق هذا التصور لهم حقوق مكفولة كمواطنين ورعايا يخضعون لحماية السلطان المغربي..
لكن الأية في طريقها للانقلاب تماما، فاليوم هذه الأقلية التي اختارت في الغالب الرحيل من أجل احتلال و اغتصاب أرض فلسطين، سوف تصبح هي الحامية للأغلبية المسلمة، و تدخل الكيان الصهيوني في ملف الصحراء و في العلاقات الثنائية بين بلدين جارين و شعبين شقيقين هما المغرب و الجزائر، مؤشر على هذا التوجه العام ، فالكيان الصهيوني يحاول ابتلاع المغرب و فرض الوصاية عليه ، بدعوى أنه قوة دولية ضاغطة و مؤثرة في مراكز القرار الدولي، و يحاول ابتلاع المغرب ليبتلع المنطقة المغاربية فيما بعد، كما ابتلع فلسطين سابقا ، فإسرائيل ابتلعت أرض فلسطين، و أصبحت المشغل للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، و هي التي تتحكم في أقواتهم و مصائرهم و مساجدهم و كنائسهم…
فمع توالي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لجأ النظام الرسمي إلى الارتماء الكلي و اللامشروط في أحضان الكيان الصهيوني وربط مصيره بمصيره، و مراهنة النظام السياسي المغربي على الكيان الصهيوني مراهنة خاطئة، و قوة الكيان المزعومة قوة وهمية و مصطنعة..
و جاءت عملية طوفان الأقصى لتؤكد لنا أن رهان النظام السياسي المغربي على الكيان الصهيوني رهان خاطئ ، و صفقة غير مربحة تماما بالنسبة للمغرب ، و نأمل أن يدرك صناع القرار المغاربة أن قرار التطبيع مع الكيان قرار خاطئ و غير مجدي ، و أن فرصة الخروج من هذا الحلف المدنس فرصة سانحة، خاصة و أن الشعب المغربي من شمال المغرب إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه يهتف بصوت واحد ” إسقاط التطبيع و كلنا فلسطينيون” ، و بعيدا عن كل خطاب عاطفي ، فإني أرى أن مصلحة المغرب و السياسة الواقعية و البرغماتية السياسية تقتضي الوقوف بجانب القضية الفلسطينية و بجانب المقاومة في غزة ، و الخروج العاجل من إتفاقيات أبراهام..
و في الختام ، رحم الله شهداء غزة و أسكنهم فسيح جناته و الصبر و السلوان لذويهم ، و الشفاء العاجل للجرحى و المصابين .. حفظ الله غزة و أهلها و حفظ كل أقطارنا العربية و الإسلامية من فيروس سرطاني إسمه “الصهيونية” ..ونسأل الله تعالى أن يمن بالحرية على الأسرى الفلسطينيين من سجون الإحتلال وأن يعيدهم لأهاليهم سالمين غانمين، وعاشت فلسطين من بحرها إلى نهرها عربية إسلامية درتها المسجد الأقصى المبارك، و في الختام رسالة خاصة لأهل الرباط بغزة الأبية وبعموم فلسطين لا تنسونا من صالح دعواتكم في هذه الأيام المباركة.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون …