التسامح، التعايش، السلام…من الكلمات الرنانة التي لها وقع خاص في أذن كل شخص يؤمن بالقيم الإنسانية ويتطلع للعيش الآمن في مجتمعه ومحيطه الذي ليس سوى جزء من عالم مهما اتسعت أرجاؤه تعمه أصداء وآثار ما يحدث في أي موقع منه.
غير أن سياقات وأبعاد وأغراض الخطابات التي تتضمن الإشارة لبعض القيم الإنسانية المتعارف عليها كونيا يمكن أن تختلف بحسب المقاصد والأهداف المتوخاة، وقد يصل الاختلاف أحيانا لحد التناقض مع المضامين الأصلية لتلك القيم.
وكثيرة في زمننا الحالي، وربما في أزمنة أخرى، الخطابات السياسية المغرضة والادعاءات المزيفة التي تحاول التغطية والتستر على واقع غير سليم وتزييف الحقائق، ومحاولة تجميل القبح، أو تروم تحقيق أهداف غير إنسانية وغير مشروعة وفق الأعراف والقوانين إن على مستوى الأقطار أو على الصعيد الدولي.
وليست خافية القوى التي تعمل بالترغيب والترهيب على بسط نفوذها وحماية مصالحها الخاصة تحت غطاء الدفاع عن السلم والأمن في العالم، ويسايرها العملاء ويخضع لها الجبناء والخونة ومن يتوهمون التمتع بالأمان في أحضانها.
إن إفراغ القيم الإنسانية الكونية من مضامينها الحقيقية للتغطية على أغراض ومرامي دنيئة أضحت اللعبة التي يمارسها الاستعمار في أشكاله الجديدة والذي يرهب الضعفاء ويستميل الأغبياء ويفرض ما يستجيب لأهدافه وما ينسجم مع نزعته الهيمنية ضدا على المصالح الحيوية للشعوب المستضعفة.
والمثل الحي والبارز لمسخ وتزييف مضامين التعايش والتسامح والأمن والسلام…هو ما تسعى إليه القوى العظمى في الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بدعم وحماية أخطر كيان استعماري إرهابي عنصري في التاريخ المعاصر ويتمثل في الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والمتورط في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان، هذا الكيان الذي تعمل قوى الطغيان الدولي على تبييض وجهه البشع والتغطية على جرائمه الخطيرة، وتضغط بكل الوسائل على الدول الأكثر ارتباطا بفلسطين المحتلة تاريخيا وشعبيا وثقافيا وحضاريا لتطبيع علاقاتها مع كيان الغصب والاحتلال، ويندفع بعض الحكام في المنطقة العربية في منزلق التطبيع الذي ليس سوى تزكية للجرائم المرتكبة والتي مازالت ترتكب وتتصاعد وتيرتها في حق الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه رغم ما يتلقاه من طعنات من الأمام ومن الخلف.
وإذا كان بعض المهرولين في المنزلق التطبيعي يحاولون تبرير فعلتهم بإقحام شعارات “التعايش” و”التسامح” و”السلام”…فإن ذلك لا ينطلي على أحد لأنه لا يوجد عقل سليم يتقبل التعايش والتسامح مع كيان قائم على الغصب والاحتلال والقتل والإبادة الجماعية لأصحاب الأرض الشرعيين، ولا يوجد منطق يقبل “التعايش” مع كيان يعتمد نظام الفصل العنصري الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي الإنساني، ولا يستقيم مع مفهوم السلام حماية مجرمي الحرب وضمان إفلاتهم من العقاب على جرائم لا تتقادم، ويفقد التسامح معناه حينما يكون مع عصابة لا تتوقف عن تدنيس وتخريب المقدسات الدينية لمئات الملايين من البشر وتعتدي بشكل متواصل على المصلين والمعتكفين داخل حرمات أماكن العبادة..
إن الانبطاح على أعتاب قوى الطغيان الدولي والتماس رضائها بإجازة ما لا يجوز وتبرير ما لا يُبرر ضدا على القيم والمبادئ وعلى على حساب إرادة ومطامح الشعوب التي لا تقبل بديلا عن الحرية والعزة والكرامة والمتمسكة بالقيم الإنسانية بمعانيها ومضامينها الناصعة التي لا تقبل أي تأويل مغرض ولا أي تزييف مقصود، فلا سلام ولا تعايش ولا تسامح إلا على أساس إنهاء احتلال أراضي الغير، واستعادة الشعب الفلسطيني لكل أراضيه المغصوبة وحقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة، ووضع حد لكل أشكال الهيمنة والعنصرية والاستعباد والتبعية وضمان سيادة الشعوب داخل أوطانها، واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في كل أرجاء المعمور.
عبد القادر العلمي