أقنعة تسقط

حملة المقاطعة التي انطلقت شرارتها من مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت بسرعة مذهلة بين الناس في المدن والقرى ولم ينحصر مفعولها على محطات أفريقيا وحليب سنطرال وماء سيدي علي وإنما أصبحت لهيبا يحرق رموز الاحتكار والاستغلال والفساد ويبعثر أوراقا سياسية ويسقط أقنعة عن وجوه فاعلين سياسيين ونقابيين من مشارب وتوجهات مختلفة لا فرق بين يوصفون بالمحافظين والليبراليين والاشتراكيين، وفضحت حملة المقاطعة تحالفات لم تكن تبدو واضحة للعيان، كما فضحت عجز سلطة القرار عن اتخاذ أي مبادرة إيجابية تحد من الاحتقان وتعطي الأمل في الانفراج، وتورط عدد من أعضاء الحكومة في إصدار أوصاف قدحية في حق المقاطعين وأسلوب التهديد والوعيد مما يفضح أيضا غياب السلوك الأخلاقي وانعدام الحس الديمقراطي الذي يفرض حسن الإنصات لنبض الشارع واحترام الحق في الاحتجاج السلمي واحترام الرأي المخالف وغيرها من القيم التي يتضح أنها بعيدة عن كثير من السياسيين “البارزين” في هذا الزمن والذين لا نعرف عنهم سوى تسابقهم على المواقع بشعارات سرعان ما يفتضح زيفها.

لقد أصبحت المقاطعة، وهي أسلوب احتجاج سلمي وحضاري، سلاحا قويا في يد فئات عريضة من الشعب تعاني من ضعف القدرة الشرائية وتشعر بالحيف وتواجه القهر والاستغلال مما يطرح مشكل سوء توزيع الثروات في البلاد وغياب ضوابط وآليات العدل الاجتماعي كسبب واضح للاحتقان والاحتجاج.

واستمرار الموقف السلبي للجهات الرسمية لن تكون عواقبه محمودة لأن حملة المقاطعة تشتد مع مرور الوقت وتمتد إلى منتوجات أخرى، وكل استفزاز أو سوء تعامل مع هذه الحملة ستكون لها انعكاسات خطيرة، ولذلك فإنه لا مناص من الاعتراف بأن أسلوب العناد والتهديد المباشر أو غير المباشر عفا عنه الزمن وأصبح غير مجد، وأن محاباة قوى الاحتكار والاستغلال لا تخدم مصلحة البلاد، وأن العمل على إقرار إصلاحات عميقة سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية أصبحت ضرورة ملحة وعاجلة قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً