الرئيسية / أخر المستجدات / الديمقراطية أساس النموذج التنموي الناجح

الديمقراطية أساس النموذج التنموي الناجح

جميل جدا أن يتم الاعتراف الرسمي ومن أعلى مستوى بفشل “النموذج التنموي” المتبع منذ عقود من الزمن، ومن الأجدى والأفيد أن يقترن هذا الاعتراف بالانكباب الجاد على تحديد أسباب الفشل هل تتعلق بنوعية الاختيارات الأساسية وطبيعة ومحددات السياسات العمومية المتبعة؟ أم يرجع الأمر إلى التبعية والخضوع لضغوطات المؤسسات المالية الدولية التي تفرض بعض التدابير التي لا تراعي الأوضاع الاجتماعية لأوسع الطبقات الشعبية؟ أم أن تغلغل لوبيات المال والاقتصاد وذوي المصالح الضيقة في مواقع النفوذ يتسبب في اختلال توزيع الثروة الوطنية وما ينتج عن ذلك من تعطيل لآليات التنمية المتوازنة؟ أم أن إفلاس الحياة السياسية بسبب فبركة أحزاب لخدمة أهداف الجهات النافذة في الدولة واختراق الأحزاب النابعة من المجتمع والتدخل في شؤونها الداخلية والتأثير في قراراتها؟ أم أن هذه العوامل تتضافر بعضها أو تجتمع كلها لتعطي الفـشل الذي حصدته البـلاد والمعترف به رسميا؟

لقد أصبح الداء واضحا ومعروفا ولا مجال لإخفائه أو التغاضي عنه أو التقليل من خطورته وتداعياته خاصة وأن هناك تقارير دولية تضع المغرب في مراتب متدنية ومحرجة للحاكمين لأنها تكشف أمام العالم مواطن القصور والاختلال في عدة مجالات؛ وبالتالي فقد أضحى من الضروري العمل على تقويم عميق للوضع لا ينحصر في إزالة أعراض المرض وتهدئة ما يسببه من آلام وحرج وإنما ينفذ إلى الجذور العميقة للداء لاجتثاثها ومعالجة الأسباب في شموليتها للوصول إلى الغاية المنشودة وهي التخلص من المرض وإزالة أسبابه وأعراضه وآلامه، ولابد من الإدراك بأنه لا يمكن تغيير الواقع المزري وإصلاح الوضع المختل وغير المشرف باعتماد نفس المناهج والأساليب التي أنتجته.

وتدل تجارب الكثير من البلدان أن الاستبداد، سواء كان عن طريق الحكم الفردي المباشر أو بغطاء شبه ديمقراطي بمؤسسات شكلية لا تتبلور من خلالها سلطة الشعب ولا تحقق تداول الحكم، يعد من أكبر العوائق التي تحول دون تحقيق أي تنمية متوازنة أو تقدم لأن الاستبداد أيا كان شكله فهو صنو للفساد وغطاء للفاسدين، ويرجح في الغالب الأعم مصالح الأقلية المحظوظة على حساب الفئات العريضة في المجتمع، كما أنه مقيد لحرية الإبداع والابتكار والاجتهاد ويحد من التنافس الخلاق في خدمة الصالح العام، ويشجع في المقابل على الانتهازية والوصولية والولاء الزبوني المتناقض مع قيم المواطنة ومعايير الكفاءة والاستحقاق.

وتدل التجارب أيضا أن اعتماد اختيارات تحقق النفع لفئة محدودة من المستفيدين يؤدي في المقابل إلى تعميق هوة التفاوت الاجتماعي والمجالي وما تولده من شعور بالحيف لدى أوسع الفئات الاجتماعية وما يترتب عن ذلك من عاهات وأوبئة خطيرة تُخل بسلامة البنيان الاجتماعي وتهدده بالانهيار، مما يجعل التغيير الجذري ضرورة ملحة لتحقيق نتائج مغايرة لما أسفرت عنه السياسات والاختيارات والمناهج المعتمدة في السابق.

وإن إعمال الديمقراطية الحقة التي تقطع مع كل أشكال التحكم وتترك المجال لإرادة الشعب لتحديد مصيره بنفسه عن طريق مؤسسات ذات تمثيل حقيقي تستمد سلطتها من الشعب وتكون مسؤولة أمامه وتعمل تحت مراقبته وتتمتع بكل الاختصاصات والصلاحيات التي تمكنها من إنجاز ما تتعهد به، وتبقى السياسات العمومية والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية قابلة دائما للمراجعة والتغيير من خلال الانتخابات الدورية التي لا تؤدي فقط إلى التناوب على كراسي البرلمان والحكومة وإنما تحقق مبيدأ تداول سلطة الحكم، وهذا هو جوهر الديمقراطية الذي يعطي الاعتبار للعمل السياسي وتتحقق من خلاله جدوى وأهمية العمليات الانتخابية ويضفي المصداقية والفعالية على المؤسسات ويُفَعِّلُ آليات المساءلة والمحاسبة في مواجهة كل متدخل في تدبير الشأن العام من أي مستوى ويمنح الدينامية للحياة السياسية ويفتح آفاق التغيير المستمر والتطور المتواصل نحو الأفضل في انسجام وتجاوب مع رغبات وطموحات الشعب ويضمن تنمية متوازنة ومستدامة.

اترك تعليقاً