الرئيسية / أخبار جمعوية / في لقاء تكريمي للدكتور محمد البغدادي:

في لقاء تكريمي للدكتور محمد البغدادي:

العربية لغة العلوم والحضارة

نظمت التنسيقية الوطنية للغة العربية حفلا تكريميا للدكتور محمد البغدادي، الذي درّس في الجامعة المغربية طيلة عقود، وكان المدير المؤسّس لمَخبر الفيزياء النظرية بكلية العلوم في جامعة محمد الخامس بالرباط، ثمّ أصدر بعد تقاعده خمس مجلّدات باللغة العربية عنونها بـ”أسس الفيزياء المعاصرة”.

وفي تقديم المحتفى به أكد رئيس الجلسة عبد القادر العلمي على الجدمات التي قدمها الدكتور البغدادي للغة العربية وأعماله الكثيرة وخاصة موسوعته الأخيرة في علوم الفيزياء التي تؤكذ لمن يحتاج إلى تأكيد أنّ العربية لغة العلوم والحضارة والتاريخ ولغة الماضي والحاضر والمستقبل .

وقال الأكاديمي المتخصّص في الفيزياء النّظرية محمد البغدادي إنّ مشكل الأمة العربية لا ينحصر فقط في لغتها، مضيفا أنّه تكلم في مناسبات عديدة عن أنّ المشكل ليس في اللغة العربية بل في الدماغ العربي، وزاد مستحضرا مثال “الأحمق” الذي استشهد به إدوارد سعيد في كتاب “الاستشراق”، بعدما تحدّث عن “تأثير اللغة العربية على نفسية العرب”، ورؤيته لها “كلغة إيديولوجية خطيرة”، ثم قال: “معه حق؛ إذا استطعنا التخلي عن عقدة النقص فينا، من الأوهام التي زرعها الاستعماريون في نفوسنا”.

ودعا الأكاديمي محمد البغدادي إلى “عدم حصر النقاش بين المؤمنين”، ووجوب أن يتمّ حوار جدي علمي ومنظَّم إذا أمكن بين من يقول إنّ أمّة لم تنبن ولم تتقدم إلا بلغتها، دون ضوضاء وخصام، لأن “الحوار أمر أساسي إذا كانت النية حسنة”.

ويرى البغدادي أنّ إرادة التعلم بلغتنا العربية تحتاج قرارا سياسيا، وقدّم مثالا بدولة فنلندا التي لا يتجاوز تعداد سكّانها خمسة ملايين نسمة ولا تدرّس إلا بلغتها، ولا تتجاهل اللغات الأخرى، ويحمل كل مدرسيها باكالوريا زائد خمس سنوات، دون أن توجد فيها مدارس خاصّة، قبل أن يجمل بأنّ كيفية تحوّل العلم إلى تجارة -عندنا- مشكل كبير جدا وموضوع طويل.

وتذكّر عبد الجليل بلحاج، مدير المدرسة العليا للأساتذة بالدار البيضاء سابقا، المدير الأسبق لمكتب تنسيق التعريب لجامعة الدول العربية بالرباط، ذهابه إلى سوريا بعدما كان من بين الفوج الأول الحاصل على شهادة البكالوريا باللغة العربية من مدارس محمد الخامس، وتعرّفه على الأستاذ محمد البغدادي، الذي حبا الطلبة بالعطف، وسهّل إمدادهم بمختلف المراجع، خاصة بالفرنسية.

واستحضر بلحاج تجدّد اللقاء مع البغدادي في الرباط كزملاء متدربين على يديه، وتولّد علاقة زمالة وصداقة معه، وما جمعه معه من أمل في إنشاء قسم عربي في كلية العلوم مدخلا لتعريبها، لولا المقاومة الشديدة التي واجهها ذلك آنذاك، ثم زاد متذكّرا مراجعته وتصحيحه المعجم الموحد في الفيزياء العامة والنووية، الذي أصدرته الألكسو، بعدما أحاله عليه محمد البغدادي، وأضاف: “هذا جزء قليل مما تستحقّ، ومما سيذكرك به طلابك وزملاؤك في العالم العربي وشتى أنحاء العالم”.

وتحدّث محمد علي الطود، منسق تنسيقية اللغة العربية، عن سعادة التنسيقية بالتئام هذا الجمع المبارك تكريما لشخصية فريدة في المشهد الجامعي والفكري في الفضاء السوري والمغربي والعربي، مضيفا أنّ في تكريمه تعبيرا عن وفاء للنخبة الثقافية والفكرية، الوفية لوطنها والمتشبّثة بهويتها وتعدد مشاربها وروافدها الثقافية.

وذكّر المنسّق في كلمته بمسار البغدادي في التدريس والبحث في الفيزياء النظرية في جامعات سوريا والمغرب وأبرز جامعات أوروبا، ووصفه بـ”العالم الجليل الذي أسدى خدمات جليّة للعلم والبحث الرصين”، مضيفا أنّ “وطنه الثاني المغرب لن ينسى تكوينه أجيالا متعاقبة من حاملي الإجازة والدكتوراه، وتسييره مخبر العلوم بجامعة محمد الخامس”.

وإلى جانب تدريسه بالقسم العربي الذي ساهم في تأسيسه بمدرسة تكوين الأساتذة، استحضر المتحدّث الأعمال الجامعية للمُحتفى به التي ألفها ووضعها بين أيدي طلابه، باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية والألمانية، وهي المسيرة المشرّفة التي توّجها بتأليف خمسة مجلدات حول الفيزياء المعاصرة باللغة العربية.

وتطرّق الطود لما يكتسيه صدور هذا الكتاب من أهمية في خضم الجدل الدائر حول تدريس اللغات بالمغرب، و”المنحى الخطير الأحادي لفرض لغة أجنبية هي الفرنسية بحجة التسهيل على الطلاب، في وقت تشكّل الأحادية اللغوية عاملا من عوامل الانعزال والتخلف”، وما يشكّله من دحض للتبريرات المغرضة التي ترمي العربية بالعجز عن مواكبة العلوم الحديثة، وحافز للعلماء المغاربة لنشر أعمالهم باللغة العربية واللغات الأخرى.

بدوره تحدّث الطيب البياز، مدير المدرسة العليا للأساتذة بالرباط سابقا، عن غبطته وسروره بقرار التنسيقية الوطنية للغة العربية تكريم الأستاذ محمد البغدادي.

وتذكّر البياز تعرفه على الأكاديمي محمد البغدادي عندما شاءت الظروف أن يكون ضمن فوج التلاميذ الحاصلين على الباكالوريا بالمغرب عام 1958، الذين وجهتهم وزارة التربية الوطنية إلى سوريا التي تدرس فيها العلوم بالعربية، ثم عندما كان من بين فوج الأساتذة القادمين من سوريا للتكوين بالمدرسة العليا للأساتذة في تخصصات الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والجيولوجيا، قبل أن يلتحق للتدريس بجامعة الرباط، ويفضّل الاستقرار بالمغرب والاندماج التام بفضاءاته الجامعية.

وتذكّر البياز بحوث محمد البغدادي العلمية في مجموعة الفيزياء النظرية التي تمّت تحت إشرافه، وتكوينه النواة الأولى من الباحثين في هذا المجال، إضافة إلى تأليفه وترجمته كتبا ودراسات باللغة الفرنسية وعن الألمانية والإنجليزية، وإصداره كتاب أسس الفيزياء المعاصرة الذي كان خلاصة تجربة طويلة لتدريس العلوم الفيزيائية باللغة العربية، والذي عدّه مرجعا بالعربية للطلاب في الجامعة المغربية، معبّرا عن أمله في تعميمه بالجامعات العربية والإسلامية.