الرئيسية / أخر المستجدات / ديمقراطية الشكل

ديمقراطية الشكل

ممارسة ديمقراطية الشكل على مدى سنوات عديدة يمكن أن تنطلي على كثير من السياسيين وعموم الناس لدرجة أنه يصبح في اعتقادهم بأن وجود البرلمان وعدد من المؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا مع التعددية الحزبية والتنافس على ولوج هذه المؤسسات هي الديمقراطية في حد ذاتها، بينما هي في الواقع لا تمثل سوى الآليات الشكلية التي من خلال مدى تمثيليتها والصلاحيات الموكولة لها والأدوار التي تستطيع أن تضطلع بها يمكن أن يتبلور جوهر الديمقراطية من عدمه.

المؤسسات المنبثقة عن صناديق الاقتراع، بقطع النظر عن طريقة انتخابها وحتى لو كانت في غاية النزاهة، فإنها تشكل المظهر الخارجي للديمقراطية وتبقى مجرد شكل لها إذا كان دورها لا يتجاوز التهليل أو التمجيد لعمل جهة أخرى أو ينحصر في تنفيذ ما يُملى عليها من أي طرف غير معني بالانتخابات الدورية فهي في هذه الحالة غير مقيدة ببرامجها التي نالت ثقة الناخبين على أساسها، وليس في مقدورها تغيير الاختيارات والأولويات التي تحددها الدولة ولا تستطيع ابتكار مناهج وسياسات خاصة بها في المنحى الذي تراه مناسبا للتجاوب مع رغبات وتطلعات الفئات العريضة من الهيئة الناخبة.

أما إذا كانت المؤسسات النابعة من صناديق الاقتراع هي صانعة الاختيارات الأساسية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي التي تتخذ القرارات المصيرية وتحدد الأولويات في السياسات العمومية وتتحمل كامل المسؤولية عن اختياراتها وبرامجها وإنجازاتها وإخفاقاتها، فإن هذه المؤسسات تكون ذات صبغة ديمقراطية فهي تستمد شرعيتها من إرادة الناخبين وترتبط معهم بالتزام أخلاقي وسياسي وقانوني لإنجاز البرامج والوعود التي قدمتها للهيئة الناخبة وهذه الأخيرة هي التي يرجع إليها حق البت في مصير الأغلبية بالتمديد لها أو عدمه من خلال الانتخابات الدورية.

ولا يمكن لأي بلد يعتمد شكل الديمقراطية دون جوهرها أن يتطور ويتقدم ويتغير نحو الأفضل بالوتيرة المناسبة لإمكاناته وموارده لأنه يضيع طاقات وأموال كثيرة على مؤسسات مظهرها وضجيجها أكبر بكثير من فعاليتها ومردوديتها، وفي ظلها ينحصر التنافس على المواقع والمقاعد وليس في الاجتهاد والابتكار الذي يعد المحرك الأساسي لدينامية التطور والتقدم.

والخلاصة هي أن التطبيع مع ديمقراطية الشكل وجعل آلياتها ومظاهرها هي محور الاهتمام بدل مضمونها وجوهرها بالنسبة للسياسيين يؤدي إلى رتابة وضحالة العمل السياسي وتصبح الأحزاب وكأنها من طينة واحدة ولا تختلف عن بعضها ولو كانت تحمل شعارات متباينة وتطرح مقاربات مختلفة لأنها لا تتمكن من ترجمتها إلى واقع مما يؤدي للنفور من العمل السياسي والعزوف عن المشاركة في الانتخابات وانعدام أو تراجع الثقة في المؤسسات، ومع مرور الزمن تكون العواقب أكثر فداحة ليس فقط على مستوى التنمية وإنما أيضا على مستوى الاستقرار في البلاد.