الرئيسية / أخر المستجدات / وعد بلفور..فعل متجدد

وعد بلفور..فعل متجدد

د معن بشور/
كم كان العرب مخطئين حين تعاملوا مع “وعد بلفور” كإعلان صدر عن “من لا يملك لمن لا يستحق فقط”، وتناسوا أن هذا الوعد هو فعل متجدد على مدى103 سنوات آخذ أشكالا متعددة، وأوجد وقائع متنوعة..
وعد بلفور ارتبط مع سايكس – بيكو بزواج “كاثوليكي” – كما يقولون – هو وعد الصهاينة بكيان في فلسطين يفصل مشرق الوطن الكبير عن مغربه، وسايكس – بيكو رسمت لهذا الفصل الجغرافي حدود وحواجز سياسية واقتصادية واجتماعية وطائفية وعرقية من أجل أن تتحول التجزئة من مشروع استعماري إلى “حقيقة وحقا”..
ولكن هل نكتفي بهذا الربط بين “الوعد” و “المعاهدة”، أم نقرأفي تاريخنا المعاصر سلسلة أحداث ونكبات ونكسات كانت تجسيدا ذللك “الوعد” المشؤوم وتحويله إلى فعل دائم في حياتنا..
ألم يكن الاستعمار البريطاني والإسباني والإيطالي، ومؤخرا الاحتلال الأمريكي في وطننا العريي، أهم تجسيد لوعد بلفور..
ألم تكن نكبة فلسطين عام 1948، وما سبقها وتلاها من مجازر ونكسات وحروب وفتن هي الترجمة الحرفية للوعد المشؤوم..
ألم يكن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، هو ترجمة أخرى لذلك الوعد اشترك فيه منشئ الإعلان والكيان في وقت واحد.
ألم تكن هزيمة العرب في حزيران/يونيو 1967، بكل المشاركين في التخطيط لها والتنفيذ لها ،من إسرائيليين وأمريكيين وحكام عرب، هي أحدى مخرجات وعد بلفور.
ألم يكن الانفصال المشؤوم للوحدة المصرية – السورية عام 1961، وهي الوحدة التي طوق بها العرب عدوهم، تفعيلا لذلك الوعد الخطير الذي حمل معه بذور كل انفصال وتقسيم وتجزئة..
ألم تكن معاهدات كمب دايفيد وأوسلو ووادي عربة توقيع عربي على وعد بلفور.. 
ألم  تكن الفتن والحروب الداخلية التي اشتعلت في العديد من أقطارنا العربية، لاسيما المركزية منها، هي خطوات لتحويل الوعد المشؤوم إلى حقيقة راسخة في أمتنا..
الم يكن احتلال العراق، وتدمير سورية،وتقسيم السودان، وغزو ليبيا والعدوان على اليمن أحداثا خطيرة تجعل من نطاق الوعد المشؤوم لا ينحصر بفلسطين وحدها، بل يشمل الأمة كلها.. 
ألم تكن الصراعات التي شهدتها الأمة بين أقطارها وداخل كل قطر، وبين تياراتها الرئيسية وداخل كل تيار، بل بين أحزابها وداخل كل حزب، هي التنفيذ الحقيقي لذلك الوعد المشؤوم..
أليس كل خطاب يغزي الانقسامات ويؤجج الصراعات، وعد بلفور آخر نقدمه بأنفسنا لعدونا، فيما نعتقد أننا نحارب هذا العدو من خلال خطاب الانقسام. الفتنة. 
واليوم أليس ما نشهده من اتفاقات تطبيع، واختلاق أعداء غير العدو الحقيقي، وإثارة كل أنواع الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية هو انضمام لصانعي وعد بلفور ولمهندسي اتفاقية سايكس – بيكو.. 
لذلك فالرد على وعد بلفور، كما على حاضنته سايكس – بيكو، ألا يكون بمجرد الاستنكار والتنديد، بل باغلاق كل ثغرة دخل منها العدو ألى بلادنا ليجعل من وعد بلفور وعدا “أهليا ومحليا” ننفذ بأيدينا ما حاول أعداؤنا تنفيذه بوعودهم ومخططاتهم ومشاريعهم.. 
وعلى الرغم 
مما حققه “الوعد” وصانعوه من انجازات على أرض الواقع، فعلينا أن نعترف أن أمتنا قد شهدت أيضا، وعلى مدى قرن من الزمن، مقاومات امتدت من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، بعضها دون شك أخفق في تحقيق أهدافه، لكن بعضها نجح في تحقيق ما يطمح إليه، والأمثلة على الاخفاقات كما الانتصارات عديدة،خصوصا أننا ندخل عصر الانتصارات إذا حرصنا على أمرين هما تحقيق الوحدة في صفوفنا، واحتضان المقاومة في وجه أعدائنا.