الرئيسية / أخر المستجدات / حماية حقوق الإنسان

حماية حقوق الإنسان

 حقوق الإنسان ترتبط بطبيعة الكائن البشري، الذي خلق حرا ومكرما، والأصل هو أن يتمتع كل إنسان أينما وجد بحقوقه وحرياته الأساسية دون قيود أو حواجز، وأن تتوفر له ظروف الحياة الكريمة، غير أن الصراعات التي عرفتها البشرية منذ القدم، وطغيان الحكام وذوي النفوذ في شتى المناطق من العالم، ونزعة الهيمنة لدى بعض الدول العظمى، والتخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يشمل العديد من الدول، كل ذلك يهدد حقوق الإنسان، ويجعلها عرضة لانتهاكات متعددة الأشكال، الأمر الذي يحتم إيجاد الضمانات الكفيلة باحترام الحقوق والحريات الأساسية للإنسان، وتنقسم هذه الضمانات إلى نوعين: أحدهما يتعلق بالتدابير التي تتخذ على صعيد كل دولة، والنوع الثاني يتمثل في وسائل الحماية الدولية، ومن المفروض أن يكون هناك تكامل بين وسائل الحماية على المستويين الوطني والدولي باعتبار أن الهدف واحد وهو إقرار واحترام حقوق الإنسان بمفهومها الكوني.

1- الحماية الوطنية:
هناك عدة آليات لحماية حقوق الإنسان على المستوى الداخلي لكل دولة ومن أهمها نذكر على الخصوص:

أ) القوانين وفي مقدمتها الدستور الذي يسمو عن باقي التشريعات، التي لا يجوز أن تخرج عن المبادئ العامة التي يقرها، وعادة تنص الدساتير على أهم الحقوق والحريات الأساسية للإنسان، حيث ترد أحيانا في صلب البنود الدستورية، كما هو الحال في الدستور المغربي ودستور الولايات المتحدة الأمريكية، أو في مقدمة أو ديباجة الدستور كما هو الشأن بالنسبة للدستور الفرنسي، وهناك قوانين تضمن تمتع الأفراد والجماعات بحرياتهم، كحرية الفكر والتعبير والصحافة، وحرية تأسيس الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، والجمعيات المدنية ذات الأهداف المختلفة، وحرية الانخراط فيها، وحرية تنظيم التجمعات في الأماكن العمومية، وهناك قوانين تتوخى ضمان حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة، كما توجد تشريعات أخرى لحماية بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كحق الملكية، وحق القيام باستثمارات لتحقيق كسب مشروع، وحقوق الشغالين كالحق في الأجر العادل، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في تأسيس النقابات وحرية الانخراط فيها وحق الإضراب…
ب‌) ولا يكفي أن توجد قوانين جيدة لحماية حقوق الإنسان، وإنما لابد من وجود سلطة قضائية نزيهة، ومستقلة عن كل السلطات، ومحصنة من أي تأثير أو ضغط، لتسهر على احترام القوانين، وحسن تطبيقها، وضمان مساواة الجميع أمامها.
ج) وإلى جانب آليتي التشريع والقضاء تقوم بعض الدول بإحداث مؤسسات خاصة، مثل المجلس الا ستشاري لحقوق الإنسان الذي تأسس بالمغرب سنة 1990 وتطور نظامه وأصبح يسمى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتتوفر الكثير من الدول على مؤسسات وطنية تهتم بحقوق الإنسان الذي كاللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان بفرنسا، والمجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، وفي المغرب  تتضمن التشكيلات الحكومية أحيانل وزارة مكلفة بحقوق الإنسان منذ بداية التسعينات ثم تحذف وتعود من جديد، كما تم إحداث مندوبية وزارية لحقوق الإنسان وديوان المظالم الذي لأصبح يحمل إسم مؤسسة (الوسيط) على غرار ما هو موجود في كثير من الدول.

وإلى جانب الآليات الرسمية، توجد بعض الجمعيات التطوعية التي تعمل في إطار المجتمع المدني، وتقوم بمهمة الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية للإنسان، وإثارة الانتباه للخروق، كما تساهم في التوعية بقيم حقوق الإنسان، وفي المغرب تأسست أول جمعية حقوقية وهي العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في 11 ماي سنة 1972، ثم تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1979، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان سنة 1988، وبعد ذلك تأسست عدة جمعيات حقوقية، منها من يختص بحقوق الإنسان بوجه عام، ومنها من يختص بالدفاع عن حقوق بعض الفئات كالمرأة، والطفل، والمعاقين…

غير أن توفر آليات الحماية الوطنية المذكورة وغيرها، لا يمنع من وجود حالات لانتهاك حقوق الإنسان في كثير من الدول ومن بينها المغرب الذي عرف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مرحلة أصبحت تعرف بسنوات الجمر والرصاص، وما زالت تحدث الكثير من الانتهاكات على أرض الواقع. والدول التي تترسخ فيها مقومات الديمقراطية تهيئ المناخ الأكثر ملاءمة لاحترام حقوق الإنسان، والمجال الأكثر خصوبة لنمو قيمها، وانتشار مبادئها، وتداول ثقافتها.

2) الحماية الدولية:
لقد بدأ الاهتمام الدولي بإيجاد الآليات الخاصة بحماية حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، عندما أشرفت الحرب العظمى الأولى على نهايتها، وبرز هذا الاهتمام في ميثاق عصبة الأمم، ثم في ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي خصصت حيزا هاما من مجالات اشتغالها لقضايا حقوق الإنسان، وذلك انطلاقا من الإيمان بكرامة الفرد وحريته، وبما للرجال والنساء، والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية (الفقرة 2 من ديباجة ميثاق الأمم المتحدة)، وأصدرت بعد ثلاث سنوات من تأسيسها، الوثيقة الرئيسية في منظومة حقوق الإنسان، وهي إعلان العاشر من دجنبر 1948، ولجعل المبادئ الواردة في الإعلان التزامات على عاتق الدول صدر العهدان الدوليان المتعلقان بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في 16 دجنبر 1966، والبرتوكولان الاختياريان الملحقان بالعهد الأول، ويتعلق أحدهما بالشكايات والتقارير التي يمكن لأي فرد أن يوجهها إلى لجنة حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة، وقد اعتمد منذ البداية، والثاني يتعلق بمنع عقوبة الإعدام، ولم يتم اعتماده إلا سنة 1989 ، وبالإضافة إلى هذه المواثيق صدرت عشرات من الإعلانات والعهود التي تتناول حقوق الإنسان من شتى الجوانب، وتحدد الشروط والضمانات الكفيلة باحترامها، ومن المواضيع التي تشملها هذه الإعلانات والعهود، منع التمييز بجميع أشكاله، وخاصة التمييز العنصري، والتمييز ضد المرأة، وجرائم الحرب المرتكبة ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وتحريم الرق والعبودية، ومناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، أو المُهينة، أوالحاطة بالكرامة الإنسانية، وضمان المحاكمة العادلة، واستقلال القضاء، والمعاملة الإنسانية للسجناء، وضمان حقوق المرأة والطفل، وحقوق المهاجرين واللاجئين، وحقوق المعاقين، وحقوق كبار السن، والحريات النقابية، والحق في الإعلام، وحق الشعوب في السلم، والحق في التنمية…
وبالنسبة لأجهزة المنتظم الدولي، المهتمة بقضايا حقوق الإنسان، فإنه إلى جانب الدور الذي تضطلع به الجمعية العامة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، نذكر على الخصوص لجنة حقوق الإنسان، وهي الجهاز الأساسي الذي يعهد إليه بتحضير مشاريع الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان في العالم، وتقوم بتتبع أوضاع وقضايا حقوق الإنسان والمشاكل التي تطرح على الصعيد الدولي في هذا الشأن، كما تدرس التقارير التي تقدمها الدول حول الخطوات التي تنهجها في سياساتها الداخلية للنهوض بحقوق الإنسان.
وهناك لجن مرتبطة ببعض المواثيق الدولية، مثل لجنة محاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المحدثة سنة 1982، وتهتم بحقوق المرأة في إطار الاتفاقية المتعلقة بهذا الموضوع، والمعتمدة في 18 دجنبر1979، ولجنة مناهضة التعذيب والمعاملات غير الإنسانية والقاسية والحاطة بالكرامة، المحدثة سنة 1987 لتتبع القضايا التي تتناولها الاتفاقية الدولية المعتمدة في هذا الشأن سنة 1984، ولجنة حقوق الطفل التي تسهر على إعمال مقتضيات الاتفاقية الدولية المتعلقة بهذا الموضوع والمعتمدة سنة 1989.
وبالإضافة إلى اللجن التي تهتم كل واحدة منها بمواضيع معينة، هناك جهازان هامان وهما: مركز حقوق الإنسان الأممي، الذي يعد بمثابة سكرتارية تنسق بين مختلف أجهزة الأمم المتحدة المهتمة بحقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان التي أحدثت بقرار من المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد بفيينا سنة 1993، ولها صلاحيات هامة وواسعة في مراقبة كل الأنشطة الدولية التي تهم حقوق الإنسان.
وهناك أجهزة أممية أخرى يمكن أن تهتم بمواضيع لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بحقوق الإنسان، مثل منظمة العمل الدولية التي تهتم بحقوق الأجراء والحريات النقابية، ومنظمة اليونسكو التي تهتم بالحقوق الثقافية، كما تهتم بنشر ثقافة وقيم حقوق الإنسان على الصعيد الدولي.

وعلى الصعيد القاري أو الجهوي، تم إبرام اتفاقيات لحقوق الإنسان، وتعمل في إطارها لجان تتولى تتبع ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان في النطاق الجغرافي الذي تشمله الاتفاقيات المذكورة، وتتميز المنطقتين الأوربية والأمريكية، بتوفر كل منهما على محكمة جهوية لحقوق الإنسان، للفصل في المنازعات، وتقديم الاستشارات؛ وتجدر الإشارة إلى أن هناك تخلفا وتعثرا ملحوظين في هذا المجال على الصعيدين العربي والإفريقي، وعلى الصعيد الآسيوي لا يوجد حتى الآن جهاز إقليمي رسمي يهتم بحقوق الإنسان، غير أن هناك عدة منظمات غير حكومية تقوم بمبادرات وأنشطة في بعض المجالات ذات الصلة بهذا الموضوع.
ولا ينحصر الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي في الأجهزة الأممية والجهوية التي تمثل الحكومات، وإنما هناك أيضا العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية المهتمة بهذه القضايا، ونذكر منها على الخصوص:
منظمة العفو الدولية: التي ترجع فكرة إحداثها إلى سنة 1961 حينما نشر أحد المحامين مقالا في (الأوبزرفر) يعبر فيه عن اندهاشه لعدد المعتقلين في العالم بسبب آرائهم وأفكارهم، ويدعو للقيام بحملة دولية من أجل العفو، ومن أهداف هذه المنظمة:
ـ مساعدة المعتقلين من أجل الرأي، أو المواقف السياسية، الذين لم يستعملوا العنف ولم يحرضوا على استعماله.
ـ توفير الضمانات القضائية في المحاكمات السياسية.
ـ إلغاء عقوبة الإعدام.
ـ إدانة التعذيب والمعاملات اللا إنسانية والقاسية أو المهينة.
ويوجد المقر الرئيسي لمنظمة العفو الدولية بلندن، ولها فروع في العديد من الدول منها المغرب، وتنشر عدة مطبوعات منها التقرير السنوي الذي يرصد أوضاع حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم .

وهناك عدة منظمات دولية أخرى غير حكومية تهتم بحقوق الإنسان، مثل اللجنة الدولية للحقوقيين، التي يوجد مقرها بجنيف، والجمعية الدولية للحقوقيين الديمقراطيين، التي يوجد مقرها ببروكسيل، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان التي يوجد مقرها بباريس، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (HUMAN RICHTS WATCH) التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالنسبة للوطن العربي يمكن أن نذكر اتحاد المحامين العرب، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان .

وعلى الرغم من وجود ترسانة هائلة من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعدد هام من الأجهزة الأممية والجهوية المختصة بالموضوع في العالم، بالإضافة إلى المنظمات الدولية غير الحكومية التي ترصد الخروق، وتعمل على ضمان احترام حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، فإن هذه الحقوق لا يمكن القول بأنها بخير، بل تتعرض للكثير من الانتهاكات، إما عن طريق الاحتلال المباشر والتنكيل بالشعوب، كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق، أو تحت غطاء محاربة الإرهاب، كما حصل في أفغانستان، أو عن طريق تكريس نظام دولي غير عادل، وفرض نزعة الهيمنة على الشعوب المستضعفة من طرف القوى العظمى، وكثيرا ما تقف منظمة الأمم المتحدة مكتوفة الأيدي أمام غطرسة بعض الدول التي لا تجد حرجا في انتهاك الشرعية الدولية، مما يتطلب إعادة النظر في دور المنتظم الدولي وآليات اشتغاله، لضمان التوازن والتكافؤ بين الدول، وتسهيل إقامة السلام في كل مواقع التوتر في العالم، على أساس العدل والإنصاف، واحترام إرادة الشعوب، وحماية كرامتها وسيادتها داخل بلدانها، وليس على أساس المصالح الخاصة لبعض الدول العظمى.