الرئيسية / أخر المستجدات / التطور التاريخي في اختلاف النظرة الى المرأة

التطور التاريخي في اختلاف النظرة الى المرأة

عبد الهادي محيسن (لبنان)/

لئن كان الإنسان أعجوبة الخليقة كما يقولون، وكان فكر الإنسان أعجب ما في الإنسان، فإن هذا الفكر قد أبدع عجائب ثلاث جعلت للحياة معنى ورونقا جديدين، وتلك العجائب الإنسانية هي: الكلمة والحرف والمطبعة.. ومن يستطيع أن يتصور الحياة خالية من الكلام.. ولم يذكر لنا التاريخ أي الشعوب تكلم أولا وكيف تكلم، على أن ساداتنا الفلاسفة جعلوا هذه المسألة موضوع مناقشات شتى بدأت في القرن الخامس قبل المسيح .

لم يمر وقت طويل على يوم كان الرجل الشرقي منكرا على المرأة حق الكلام يوم كانت المرأة تخفي جهلها وذلها تحت الأثواب الحريرية وتنسى قيودها الدهرية لاهية بالأساور والجواهر، ثم حررها الرجل قليلا قليلا.. ولكن اليوم فلننظر كيف علت مكانة المرأة عالميا..

كيف كان المتقدمون يرون المرأة..؟ سل عنها الدهور المتدحرجة في هاوية الزمان فلو كان للدهور لسان لأنبأتك بما يدمي الفؤاد عن المرأة.. لقد جعلتها الهمجية حيوانا بيتيا وحسَبها الجهل متاعا ممتلكا للرجل يستعمله كيف يشاء ويهجره إذا أراد، كانت المرأة عبدة شقية وأسيرة ذليلة ثم ارتقت الى درجة طفلة قاصرة والى لعبة يلهو بها الرجل .

ومن أغرب الغرائب أنها لم تجد في القدم صديقا ولا نصيرا، والأعجب من ذلك ما يصدر من رجال نحسبهم نوابغ زمانهم وقادة أفكار العالم ومن شعراء ومفكرين آخرين… فمثلا لم يذكر شعراء اللاتين شيئا عن المرأة الا جمال جسدها وليس في قصائدهم ما يدل على تلمس آثار النفس وراء ظواهر الجسد، وجميعهم متفق على تسميتها الشيطان الجميل أو ينبوع المسرات السامة كما أن شعراء اليونان أسخيليوس وأوربيدوس يسمونها ببساطة ” بلية ” العالم .

أما الفلاسفة فنكتفي بذكر كبيرهم أفلاطون.. أفلاطون الإلهي ذا الأحلام الغامضة والمباديء السامية الذي يعتبره تاريخ الفكر أمة بأسرها، لم يفكر قط في تحسين حالة المرأة ولم يهتم في درس أخلاقها، إن أفلاطون هذا قضى  حياته أسفا لأنه ابن إمرأة..! وكان يصرح بازدرائه لأمه ويعتقد أن من كان جبانا من الرجال فعند ولادته مرة أخرى تتقمص روحه في جسد حيوان أو جسد إمرأة..

أما بوسويه أسقف مورو فقد لخص أفكار معاصريه في جملة واحدة ” لقد خلقت المرأة من ضلع زائد في جنب الرجل فلهذا السبب هي عقيمة ولا إدراك في نفسها ! … وقالوا فيها أنها لا تصلح إلا للخدمة البيتية والزينة الجسدية وقالوا أنها حيوان جميل وشيطان لطيف .. وأنها كاذبة وخبيثة ومترددة وحائرة ولا تقوى على توليد فكرة وذليلة لا تقوى على الاستقلال منحنية عن معاني الحياة العميقة ..

أما فولتيير المفكر والفيلسوف الفرنسي الذي كانت أفكاره مؤسسة للثورة الفرنسية فقال أن فكرها سريع العطب وأنه يتحطم تحطيما إذا حاول استفهام ناموس علمي ! أليس من الغريب أن يقول فولتيير هذا القول وهو الذي استعان بإمرأة على فهم كتابات نيوتن وكانت صديقته مدام شاتليه معربة كتاب نيوتن في ناموس الجاذبية، ولا نذكر مدموازيل لا بلاس ومدام كوري وعشرات النساء المشتغلات في العلوم الطبيعية .

ونذكر هنا إسمي بترارك ودانتي اللذان ترنما بالمرأة ذات النفس السامية والذكاء الوقاد فصور دانتي المرأة المثل الأعلى الذي تود كل امرأة أن تكون صورة له، كما صوره في شعره الساحر ثم جاء كبير شعراء العالم شكسبير فجعل أبطال أكثر رواياته من النساء ذوات النفوس الكبيرة تتلامس في قلوبهن أعذب مشاعر المحبة بأسمى عواطف التضحية كذلك كانت النساء في روايات كورنايل .

أما سقراط فكانت مدرسته من أشهر مدارس الماضي وكانت كانثيبا زوجته ثرثارة ضيقة النفس سطحية المدارك ترى العلم جنونا وتحسب زوجها معتوها.. ففي أحد الأيام كان سقراط يخطب في تلاميذه فأخذت زوجته تضحك منه، ولما لم يكترث انقلب ضحكها غضبا فطردت الأستاذ والتلاميذ ساكبة على رؤوسهم الماء البارد فردد سقراط : دعوها تفعل.. فإن شراستها علمتني الصبر والحكمة .. فطوبى لك سقراط فيلسوف الصبر والحكمة .

كان المتهكمون على المرأة كثر والمحبون لها كثر.. ألم يقل فيكتور هيجو ليس الرجل وحده الإنسان ولا هو المرأة بل هما الإنسان معا.. وأنه ينتظر من المرأة وحدها إلغاء الحرب في العالم وكان يدعو الى تحرير المرأة من القيود الاجتماعية والمدنية وهو القائل أن القرن العشرين هو عصر المرأة وقد صدق في نبوأته، فأصبح في كل مكان تفتح المرأة عينها لنور الحياة من الصين الى اليابان وتركيا وجميع أنحاء العالم .