الرئيسية / أخر المستجدات / مصطلحات “أورومركزية” استعمارية

مصطلحات “أورومركزية” استعمارية

علاء اللامي/

“القرون الوسطى” و “الشرق الأوسط” و “الشرق الأدنى” و “الشرق الأقصى”، كلها مصطلحات “أورومركزية” استعمارية من الخطأ تعميمها واعتبارها مصطلحات جغراسياسية عالمية: لنبدأ بتعريف “الأورومركزية”؛ يحاول بعض الليبراليين القشريين العرب تجريد مصطلح “المركزية الأوروبية” أو “الأورومركزية” من مضامين التمييز العنصري القائلة بالتفوق الأوروبي الغربي عالميا، فيقول قائلهم إن هذه الكلمة ليست سُبَّة بل هو مصطلح محايد يستند إلى إنجازات دول ومجتمعات غرب أوروبا الحداثية! لنقرأ تعريف “الأورومركزية” كما ورد باللغة الفرنسية في الموسوعة المفتوحة “ويكيبيديا”، التي تُعرّف هذا المصطلح حرفيا: “الأورومركزية هي شكل من أشكال المركزية العرقية التي تضع الثقافات والقيم الأوروبية في المركز على حساب الثقافات الأخرى، وتلك نتيجة طبيعية لاعتبارها ثقافات متفوقة نشأت في أوروبا/ ترجمة شخصية”. أما الموسوعة الاصطلاحية الفرنسية الفرعية “ويكسينري” فتعرف “المركزية الأوروبية Eurocentrique” تعريفا أكثر صراحة فتقول: الأورومركزية تعني في الإيديولوجيا أو الممارسة، بوعي أو بغير وعي، اعتبار الاهتمامات والثقافات والقيم الأوروبية (والغربية عمومًا) اهتمامات وثقافة وقيم عالمية “لكل الدنيا universelles”، والمركزية الأوروبية تشرع الاستعمار وتضفي الشرعية على الاستشراق).  ومعروف أن باحثين يساريين كثر، منهم مثلا رامون غروسفوغل، اعتبروا أن من “الاستحالة فصل الحداثة الاوروبية الأورومركزية عن الاستعمار والتمييز العنصري وأنها نوع من السردية التجميلية لها”!

لنعد إلى موضوعنا: إنَّ المصادرات والأخطاء الغربية “الأورومركزية” في اللغة السياسية المعاصرة كثيرة جدا؛ سنلقي الضوء على مثالين منها: 

*المثال الأول؛ إن اعتبار”القرون الوسطى” تزمينا عالميا، هو خطأ فادح لأن القرون الوسطى كفترة تخلف حضاري ومدني تخص التاريخ الأوروبي فقط. والدليل على خطل عولمة هذا التزمين يتأكد من خلال طرح السؤال التالي: أين نضع تاريخ الحضارة الصينية بعلومها وفلسفاتها وآدابها وهي التي تزامنت مع الحضارة اليونانية التي بدأت في القرن الثالث عشر ق.م، والإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع عشر ق.م، ولم تكن القرون الوسطى قد بدأت بعد، وحين سقطت هذه الأخيرة، استمرت الحضارة الصينية حيَّة منتجة، وعاصرت بهذا تلكما الحضارتين، ثم حلَّ العصر الأوروبي القديم فالعصور الوسطى “القرون الوسطى”. الأمر ذاته يقال عن القارّات الأخرى؛ فأفريقيا – باستثناء الشمال العربسلامي- كانت تعيش في فترة القرون الوسطى الأوروبية مرحلة “المجتمع المشاعي البدائي”، وكذلك الأميركيتين وأستراليا، وهذا يعني أن الهندي الأحمر – يسخر الراحل هادي العلوي ضاربا هذا المثال –  كان يعيش في “القرون الوسطى” في حين كان في الحقيقة يعيش في عصر ما قبل التاريخ!

وإذا كانت فترة القرون الوسطى؛ التي تعتبر فترة تخلف بدأ بعدها النهوض الأوروبي، تمتد “من القرن الخامس الميلادي حتّى القرن الخامس عشر الميلادي، حيث بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية واستمرّت حتى عصر النهضة والاستكشاف”، فكيف نعتبر أن العالم العربي الإسلامي يعيش الفترة نفسها وقد كان بلغ ذروة الصعود الحضاري في عهد الرشيد (ت 809 م) وابنه المأمون (ت 833 م) في القرن التاسع الميلادي أي في منتصف القرون الوسطى الأوروبية تقريبا؟

المصادرة الأورومركزية الثانية: وتتمثل في تبني مصطلحات جغراسياسية من قبل الشرق “الأوسط” و”الأقصى” و “الأدنى”. وهذه القياسات مفصلة حسب البُعْد والقُرْب من مركز موقع أوروبا التي جعلها المنظرون والباحثون الأوروبيون مركز العالم الجغراسياسي كله، في حين تقول الحقيقة الفلكية عكس ذلك. وحتى الموسوعات الغربية ومنها الفرنسية تعرف “الشرق الأوسط” كالآتي: “الشرق الأوسط تعبير ذو أصل غربي يشير، بالنسبة للغربيين، إلى المنطقة الواقعة بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والخط الذي ترسمه الحدود بين إيران من جهة وباكستان من جهة أخرى”. ويتداخل الشرق الأوسط مع ما يسمى الشرق الأدنى وهو مصطلح غربي أيضا ويشمل كما يقول تعريفه: “منطقة الأناضول (تركيا الحالية)، والهلال الخصيب الذي ينقسم بدوره إلى بلاد الشام وتشمل الآن الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين وبلاد الرافدين وهي العراق وشرق سوريا حالياً، ومصر، كما تم تصوره من حيث قرب المنطقة من أوروبا، فإن الشرق الأدنى مصطلح أورومركزي”. وأخيرا فمصطلح الشرق الأقصى هو مصطلح أورومركزي أيضا ويطلقه الأوروبي الغربي على دول شرق آسيا، وكذلك الشرق الأقصى الروسي، ويشمل شرقي القارة الآسيوية، وعلى الأطراف الغربية للمحيط الهادئ، والشمالية للمحيط الهندي، أي في أقصى الشرق بالنسبة للأوروبي الغربي وأيضا لنا نحن في الدول العربية ولكنه لا يصح بالنسبة للصينيين والهنود وغيرهم.

فحين نقيس الأبعاد الجغرافية حسب موقعها من الشمس بوصفها مركز الكون، تكون آسيا الشرقية “الصين واليابان” وهي التي تشرق عليها الشمس قبل غيرها بساعات عديدة فتكون هي الشرق الأدنى وليس الأقصى، فهي الشرق الأقصى بالنسبة لأوروبا في طورها الاستعماري المركزي، وهي الأدنى بالنسبة الواقع الجغرافي والفلكي الحقيقي، والأمر ذاته يقال عن منطقتنا في غرب آسيا والتي يسمونها “الشرق الأوسط” فهي “شرق الأوسط” بقياس البعد عن أوروبا، ولكنها ليست كذلك في الحقيقة الجغرافية والفلكية بل هي الشرق الأقصى. ويختم العلوي بالقول: “ولم يعد من الممكن تصحيح هذا الخطأ الفلكي بعد أن فرضه الأوروبيون على الجغرافيا”. في الواقع، هذه ليست المصادرة الأولى التي رسختها الأورومركزية والتي لا سبيل إلى تصحيحها بل ثمة الكثير منها والتي أصبح “مثقفو” البلدان المستهدَفه بالنزوع الأورومركزي السياسي والثقافي والعسكري والاقتصادي يروجون لها بدلا من محاولة فهمها نقديا ناهيك عن مجابهتها وتفكيكها علميا، أما بخصوص قصر استعمالها على الغرب فيبدو أن قد سبق السيف العذل ولم يعد ممكنا تصحيح الخطأ كما قال الراحل العلوي ولكن أن نفهم جذور الخطأ ونعرف ماذا يعني يبقى أفضل من ان لا نعرف ونكرر كالببغاوات مصطلحات مسيئة لنا ولشعوب العالم خارج ” المركز الأوروبي الغربي”!

*فقرات من دراسة بعنوان “بين العلوي وأركون: إشكاليات منهجية ومصادرات أورومركزية”، وهي واحدة من مجموعة دراسات ضمن مخطوطة كاتبي الجديد ” ملفات ساخنة في التاريخ والتراث” قيد التأليف.