الرئيسية / أخر المستجدات / العدالة المناخية… حرب غير متكافئة الخاسر الأكبر فيها وطننا العربي

العدالة المناخية… حرب غير متكافئة الخاسر الأكبر فيها وطننا العربي

رزان زعيتر

لا يمكن لنا تجاوز زخم التطبيل والتزمير لمؤتمر المناخ “كوب 27″، الذي بدأت أعماله في مصر، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك اجماع شبه عالمي بأن مهندسي قمم المناخ يستغلونها منذ إطلاقها لتكديس المزيد من الثروة، عبر الاستيلاء على الأراضي والموارد، بسلبها خاصة من مجتمعات الأرياف الفقيرة، وذلك عبر عناوين كبيرة كتعويضات انبعاثات الكربون وتكنلوجيا التقاطه وتجارته، وحمى الاقتصاد الأخضر.

بيد أن أخطر ما ينادي به مهندسو القمة هو ضرورة تقليص حجم الزراعة في دول الجنوب كأحد الحلول الهامة بنظرهم لتقليص نسب انبعاثات الكربون من هذا القطاع، بدل التركيز على البدء بحل المشكلة في دولهم وفي القطاعات الأكثر تأثيراً في المناخ، ويعد الوطن العربي من أكثر المتضررين من هذه الرؤية المجحفة، التي تنكر حقنا في التنمية المستدامة، وبشكل أكثر تخصيصاً في حقنا بالسيادة على غذائنا، في منطقة تعاني الأمرين من حروب سرقة الموارد والتجويع والقتل كل ذلك بهدف الإخضاع.

لغاية اللحظة، نحن والعديد من الشركاء والزملاء المنخرطون في قطاع حماية البيئة، لم نلمس أثراً فعّالاً لتلك القمم، وبينما لا نزال نعتبر الولايات المتحدة وأوروبا مسؤولتان عن 50% من مجمل الانبعاثات في العالم منذ عام 1850، فهما حتى الآن ترفضان الاعتراف بمسؤوليتهما التاريخية والأخلاقية في تقويض وتدمير المحيطات والبلدان التي تواجه الآثار الخطيرة التي تسببها انبعاثاتهم بشكل خاص، وفي أحسن الأحوال تحاول “دول العالم الأول” اتباع نهج للتخفيف من انبعاثات الكربون فقط، بدلاً من تركيز الجهود لتعافي وتعويض الدول الأكثر فقراً وتضرراً، ودعم التكيف الحقيقي مع التغيرات المناخية، عبر مشاريع التنمية المستدامة الجادة.

إن استعمار المناخ بحد ذاته حقيقة لا يمكن إنكارها، فمثلاً لا يمكن القفز عن التجارب العسكرية الخفية التي أجريت لتجيير المناخ لصالح الاستعماريين كما فعلوا بشكل أكيد في فيتنام خلال الستينات مع تنفيذ تجارب استمطار الغيوم، ما يعني تكرار هذا الأمر وراء الكواليس كيفما أرادوا، وهنا يتبادر إلى الذهن إن كان ما حصل في الباكستان مؤخراً هو جزء من تلك العسكرة كما أوحت بعض الدراسات، وهو أمر يحتاج للوقوف أمامه وللبحث فيه بشكل أعمق.

ننا كمنظمات تمثل الشعوب ومنبثقة من قلب المجتمعات الحية وتتحدث لغتها المعنوية والاصطلاحية، لم نيأس من محاولة الضغط على الحكومات وإيصال صوت المهمشين لزيادة القدرة على التكيف ومواجهة الآثار المناخية، والمطالبة بتعويض عادل من البلدان المصدرة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ووقف الممارسات المدمرة بيئياً والتي تفاقم أزمة المناخ وتعرّض الفقراء على وجه الخصوص لكوارثها. ولكننا بحاجة للصدق مع أنفسنا قبل أن نعطي أفكاراً طوباوية ذات جوهر نبيل حيث أن التعنت والمبالغة في قدرة منظمات المجتمع المدني منفردة على تحقيق انفراجة ولو صغيرة بمعزل عن عمل جمعي تكاملي يعتبر ضرباً من الخيال.

محاولاتنا من قلب الجنوب مستمرة كما أسلفت، وآخرها تشكيل تحالف شعبي باسم “الشعوب تنهض” الذي انخرطنا في العربية لحماية الطبيعة تحت مظلته، للعمل مع حركات العمّال والمزارعين وصيادي الأسماك والشعوب الأصلية وعلماء البيئة والنساء والشباب وغيرهم من أفراد وجماعات، بحيث تصب كل منظمة وجهة وحركة قوتها نحو هدف واحد ألا وهو “العدالة المناخية”، وسيسعى التحالف إلى توضيح ما يعنيه الظلم المناخي بالنسبة لمختلف شرائح المجتمع، ومقاومة رأس المال الاحتكاري العالمي ومكافحته باعتباره السبب الجذري لكل من الأزمات البيئية وأزمة المناخ وتبيان كيفية “استعمار المناخ”، والجذور التاريخية لانبعاثات الكربون ووجوده الدائم في مختلف المستعمرات القديمة والجديدة.

 ويزيد خطورة الوضع تكاثر منظمات مجتمع مدني مشبوهة مثل الفطر، ومدعومة من الدول المسببة للمشاكل المناخية، تستميت في تلميع صورة الجلاد، وتشتت الجهود، وتتحارب على كسب التمويل، وتدخل مشاريع غير ذات أولوية مما يؤدي إلى تهميش المجتمعات المحلية والاستعلاء عليها واستخدامها كنماذج عن التخلف والجهل، كل ذلك للهروب من مهمتها بتبني مشاريع تسعى لتحقيق المساواة والعدالة.

يجب الإقرار أن حل المشاكل البيئية يحتاج إلى تكاتف جهود كافة الأطراف في دول الجنوب بداية، وإعادة دور الدولة المركزي في تحمل مسؤولياتها، وقيادة الجهود وحشد طاقات الشعب لتثبيت مبدأ السيادة والوكالة على الموارد الوطنية، والقرارات السياسية والاقتصادية، التي تعتبر اللبنة الأولى في بناء نظام قادر على التكيف مع التغيرات المناخية، وفي منطقتنا العربية على وجه الخصوص، نحن بحاجة ماسة لتعزيز قيمة أنفسنا كدول وشعوب والاضطلاع بدور أكبر في الإقليم والالتفات لمشاريعنا التكاملية بعيداً عن مشاريع الشرذمة التي تكبلنا في سجن استهلاكي كبير، يُدخَل لنا الغذاء بشروط ويُمنَع عنا إن لم نرضخ.

ما نريد أن نسمعه في “كوب” وغيره، الحقيقة المجردة وليس تجميلاً لها، ولا نريد فقاعات كاذبة من الأمل في موضوع المناخ، ولابد أن يكون لنا صوت كمنظمات حرة ومستقلة تطرح ما هو مغاير لأجندات محضرة بشكل مسبق، وتسهم فقط في تمرير تكتيكات “باذخة” غايتها الحفاظ على الوضع الراهن، وعلى ديمومة هيمنة الاستعمار بشكله الحديث، هذه طروحاتنا في الموضوع المناخي، فما هي طروحاتكم؟

(عن رأي اليوم)