الرئيسية / أخر المستجدات / علماء يكتشفون أن للكون بداية

علماء يكتشفون أن للكون بداية

بمناسبة مساهمته الرقم 100 في موقع “بيغ ثينك” الأميركيّ، أحبّ أستاذ الفلسفة الطبيعية وعلم الفلك في كلية دارتموث مارسيلو غلايزر الإضاءة على “لغز الألغاز” بحسب تعبيره وهو أصل الكون. وعرض في مقاله الأفكار التي أسّست لنموذج الانفجار العظيم في علم الكونيّات وكيف عاد العلماء بالزمن إلى الوراء ليكتشفوا أنّ للكون بداية:

حين أظهر سنة 1929 أنّ المجرّات كانت تبتعد من بعضها البعض، مهّد إدوين هابل الطريق لعصر جديد من علم الكونيّات. في هذا العصر، أدرك العلماء أنّ للكون تاريخاً، وبالفعل بداية، بعيداً في الماضي. أتى هذا الاستنتاج طبيعياً من اكتشاف هابل: إذا كانت المجرّات تتباعد الآن، فربما تكون هناك نقطة في الماضي الكونيّ عندما كانت تلك المجرّات، والحديث بشكل فضفاض، “فوق بعضها البعض”، حيث كانت كلّ المادة مضغوطة في حجم صغير. عند دفعه إلى أقصى الحدود، يصبح هذا الحجم صغيراً مثل أيّ شيء يمكن أن تتصوّره قوانين الفيزياء. بالطبع، من المعقول أيضاً الاعتقاد بأنّ هناك قوانين على هذا المستوى المتطرّف لا نعرفها بعد.

ما وراء المكان والزمان

بعد فترة وجيزة، وتحديداً سنة 1931، تكهّن الكاهن البلجيكيّ وعالم الكونيّات جورج لوميتر في مقال أنّ هذا الحدث الأوليّ، أي بداية الكون، يمكن اعتباره تحلّل كمّيّة كموميّة واحدة من المادة. كتلة صلبة أصليّة واحدة تلد كلّ شيء آخر. قال لوميتر: “إذا بدأ العالم مع (وِحدة) كموميّة واحدة، فإنّ مفاهيم المكان والزمان ستفشل تماماً في الحصول على أيّ معنى عند البداية؛ سيكون لها معنى معقول فقط عندما يتمّ تقسيم الكمّ الأصليّ إلى عدد كافٍ من الكوانتا”. (الكوانتا هي كمّيّة منفصلة من الطاقة متناسبة في نطاقها مع تردّد الإشعاع الذي تمثّله).

إذاً في وصف لوميتر، كانت الحالة الأوّليّة للكون بدون مكان أو زمان. يقترح  لوميتر أنّ هذا الكمّ الأوليّ ربّما كان مثل “ذرّة فريدة”. ستنقسم الذرّة غير المستقرة بشكل كبير “إلى ذرّات أصغر وأصغر بنوع من العمليّة الإشعاعيّة الفائقة. قد تؤدّي بعض بقايا هذه العمليّة إلى… تعزيز حرارة النجوم حتى يسمح العدد الذرّيّ المنخفض لذرّاتنا بأن تصبح الحياة ممكنة”. ويختم لوميتر المقال القصير للغاية ببصيرة مذهلة: “يجب أن تكون مسألة العالم برمّتها حاضرة في البداية، لكنّ القصّة التي يتعيّن أن ترويها قد تكون مكتوبة خطوة بخطوة.”

لتلخيص أطروحة لوميتر، كانت هناك حالة أوّليّة تتجاوز الوصف الطبيعيّ للمكان والزمان، شيء مثل ذرّة كموميّة سرمديّة بدأت تلقائياً في التحلّل إلى ذرّات أصغر، أو شظايا كموميّة. الوقت هو مقياس للتغيير، ويبدأ فقط بالسريان عندما تتحلّل الذرة. ينمو الفضاء مع انتشار الشظايا بعيداً من أسلافها. يتمّ توليد بعض الحرارة أو الإشعاع أثناء التحلّل. تتطوّر العمليّة، وتتحرّك عبر العديد من الخطوات حتى تنتظم المادة في الذرّات التي نعرفها، ممّا يؤدّي في النهاية إلى نشوء الحياة على هذا الكوكب.

قوى جذب عالميّ

حوّلت بداية الحرب العالميّة الثانية العلماء إلى مساعٍ أخرى متعلّقة بالدفاع الوطنيّ وتصميم الأسلحة. والمعرفة الجديدة بالفيزياء النوويّة التي استخدمت أثناء الحرب لصنع القنابل بدأت تخضع للتطبيق أواخر ثلاثينات القرن الماضي على دراسة الأفران النوويّة التي تزوّد النجوم بالطاقة. في أواخر الأربعينات، شرع العلماء يستخدمون هذه المعرفة لإعادة بناء التاريخ المبكر للكون. إلى أيّ مدى يمكن أن يعود علماء الفيزياء إلى الماضي؟ كيف يمكنهم تتبّع طريقنا من هنالك إلى هنا؟ كان هذا ولا يزال التحدّي الكبير لنموذج الانفجار العظيم في علم الكونيّات.

في منتصف الثلاثينات، اقترح العالِم هيديكي يوكاوا في اليابان أنّ النوى الذرّيّة مرتبطة ببعضها البعض بقوّة من الطبيعة لم يتمّ وصفها من قبل، وهي القوّة النوويّة القويّة. يجب أن تتغلّب جاذبيّة هذه القوّة على التنافر الكهربائيّ الذي ستشعر به البروتونات في النواة. وإلّا كيف يمكن لنواة ذرّة يورانيوم أن تحتوي على 92 بروتوناً موجب الشحنة؟ وكيف ستبقى النيوترونات هناك إذا لم يكن لديها شحنة كهربائيّة؟

أصبح من الواضح أن النوى الذرّيّة تشبه كرات من البروتونات والنيوترونات مرتبطة ببعضها البعض بواسطة القوّة النوويّة القويّة. والنوى ليست كرات على الإطلاق، ولكنّ الصورة توحي على الأقلّ بطريقة عملها.

في ذلك الوقت، كان معروفاً أيضاً أنّ الروابط بين الأجسام المادّيّة تنكسر عند طاقة عالية. هذا ما يحدث مثلاً عندما تغلي الماء ويتحوّل السائل إلى بخار. عند استخدام طاقات أعلى حتى، ينقسم جزيء الماء إلى ذرّتين من الهيدروجين وواحدة من الأوكسجين. اِدفع الطاقة عالياً بدرجة كافية فتتمكن من كسر الذرات نفسها وفصل الإلكترونات عن النواة. أخيراً، حتى النواة تتفكك وتنقسم إلى بروتونات ونيوترونات حرّة. يمكن التغلب على القوى التي تحافظ على تماسك المادّة بالتتابع مع زيادة الطاقة، وهو ما يعني عمليّاً زيادة شدّة الاصطدامات بين أجزاء من المادة والإشعاع.

تم إعداد المسرح لمطابقة مفهوم الانكسار المتسلسل على تاريخ الكون، كون بدأ في نوع من الحالة الكموميّة المثاليّة قبل الانكسار إلى الأشياء المألوفة لدينا، مثل النوى الذّرّيّة، ولاحقاً، الذرّات.

ما سيصبح نموذج الانفجار العظيم الذي وُلد من العمل الرائد لجورج غامو ورالف ألفير وروبرت هيرمان في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن الماضي ينبثق من بعض الأفكار الأساسيّة: كان الكون الشاب أكثر كثافة وسخونة. لهذا السبب، انقسمت المادّة إلى أصغر مكوّناتها في وقت مبكر. وبدأت تأخذ شكلها وتتكثّف في بنى أكثر تعقيداً مع تقدّم الوقت ومع توسّع الكون وانخفاض حرارته. من تلك البداية غير المؤكّدة، من المدهش أنّه في مسيرة الزمن الطويلة، ظهرت النجوم والمجرات والكواكب والأقمار والثقوب السوداء والبشر.

(عن النهار العربي)