حسن مدن

ما الفن؟

د. حسن مدن/

تبدو الإجابة عن: «ما هو الفن أو مضمونه؟» سهلة في الظاهر، فبصرف النظر عن درجة التعليم أو الثقافة التي نالها المرء، حتى لو كانت بسيطة، فإن بوسعه تعداد أنواع من الفنون: الرسم، المسرح، السينما، الموسيقى، العمارة، النحت، التصوير، ويمكن للأدب أيضاً أن يكون مشمولاً بالفنون، حين نتحدث عن فن الشعر أو فن الرواية، فن المقال… إلخ.

لكن ليف تولستوي لا يرى الأمر بهذه البساطة، ويعطي مثلاً على فن العمارة، حاملاً إيانا على السؤال: هل كل عمارة هي فن؟. «ثمّة في العمارة أبنية بسيطة لا تصحّ أن تكون مادة للفن»، وهناك أبنية يدّعي أصحابها أنها مادة فنية، لكنها بتعبيره «غير موفقة ومشوهة». وحتى لو تفرعنا في كل فن على حدة، وليكن فن الموسيقى مثلاً، يقودنا تولستوي إلى سؤال آخر ذي صلة: «هل يعدّ الباليه أو الأوبرا فناً أيضاً؟»، ولكنه لا يجيب بشكل مباشر، منبهاً إيانا، مرة أخرى، إلى أن هناك «باليه» جيداً وأوبرا ظريفة، ولكنْ، هناك أيضاً باليه وأوبرا سيئتان، فهل يصح وضعها كلها في سلة الفن؟

لا تنتهي أسئلة تولستوي المحرضة لذهن المتلقي على التفكير، ومنها هذا السؤال: هل يعدّ فناً نشاطُ كلٍّ من رئيس غرفة الأزياء في المسرح، ومزيّن النساء في الباليه والأوبرا، والعطّار؟ ثم ألا يدور الحديث عن فن الطبخ؟ وإلى هذا كله يضيف تولستوي فن الخياطة، مستشهداً بقولٍ لمختص في علم الجمال يرى أن في ثياب النساء «موضوعاً فنياً عالياً».

والسؤال ضمناً ينطوي على الجواب، فبرأي تولستوي، لو وجّهت هذا السؤال الأخير لشخص متوسط الوعي والمعرفة «فسينفي في أغلب الأحيان انتماء نشاط أيٍّ من هؤلاء إلى مجال الفن»، والسبب أنه ليس أخصائياً، ولم يدرس أو يمارس مسائل علم الجمال.

هناك قول دارج متداول في بعض مجتمعات الخليج، وربما هناك ما يشبهه في مجتمعات عربية أخرى، سنورده كالتالي توخياً لوصول معناه: «مو كل مدوّر جوز»، والمقصود أنه ليس كل فاكهة شكلها دائري، هي بالضرورة جوز. والأقوال والأمثال الشعبية، في كافة المجتمعات، هي خلاصة الحكمة الشعبية المتوارثة عبر الأجيال، والنابعة من تفاصيل الحياة المعيشية اليومية المباشرة للناس، ولكنها، في جوهرها، ترمي إلى ما هو أبعد وأشمل وأعمق، فهذا القول مثلاً يدعو إلى ألّا ننخدع بالمظاهر أو الادعاءات، وإنما نحرص على التمييز ومعرفة الأصيل من المزيف، بين الصادق والدعيّ، وفكرة تولستوي، وهو يحرضنا على معرفة ما هو الفن، ليست بعيدة عن هذا، فليس كل ما يوصف بالفن هو بالضرورة فن، وليس كل من يوصفون بالفنانين هم فنانون.

[email protected]