الرئيسية / أخر المستجدات / الحريات الفردية والجماعية

الحريات الفردية والجماعية

الحرية من الحقوق الملازمة لحياة الإنسان، فمن خلالها يستطيع أن يعبر عن حاجاته وطموحاته، ويفصح عن اختياره لأسلوب العيش الذي يريده، ويفجر طاقاته الفكرية والإبداعية، ويمرن قدراته على ابتكار الوسائل الكفيلة بتحسين مستوى عيشه، ويعبر عن رأيه حول ما يجري في محيطه، في مختلف المجالات، وفي طريقة تدبير الشأن العام في مجتمعه، ويدافع عن معتقداته وقيمه، وقد جاء في الجملة الأولى من المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه «يولد جميع الناس أحرارا..».

وباعتبار أن إرادة الشعب التي هي العمود الفقري في كل نظام ديمقراطي، فإنه لا يمكن التعبير عنها بوضوح إلا في مناخ الحرية الذي ينبغي أن يسود المجتمع، ويتيح للأفراد والجماعات إبداء آرائهم ومواقفهم دون أي قيد، ويطرحون أفكارهم بعيدا عن أي ضغط، ويناقشون أفكار غيرهم، وينتقدون السلطات العمومية دون خوف من الانتقام أو القمع، ويستطيعون الانخراط أو المساهمة في تأسيس الحزب السياسي، أو التنظيم النقابي، أو الإطار الجمعوي، الذي يتلاءم مع ميولاتهم السياسية، ومصالحهم المهنية، ووضعياتهم الاجتماعية،  وقناعاتهم الفكرية، وطموحاتهم الشخصية.

ولا يتسنى للأفراد والجماعات التمتع بالحرية، إلا بضمان حرية وسائل التعبير عن الآراء والمواقف، وتتمثل بصفة خاصة في حرية الصحافة، وحرية النشر وإصدار الدوريات والكتب، وحرية إنشاء المحطات الإذاعية والتلفزية، وعدم احتكار وسائل الإعلام العمومية من طرف الرأي الرسمي وحده، أو من قبل أي تيار سياسي، وإتاحة المجال للآراء المخالفة، وحرية التواصل والحق في تلقي وتداول المعلومات، عن طريق جميع وسائل الاتصال، وحرية تنظيم التجمعات العمومية، وحرية التظاهر والتجمهر، وحرية شن الإضراب عن العمل، والقيام بالوقفات الاحتجاجية..

وبطبيعة الحال فإن الحريات ليست مطلقة، وإنما تنتهي حرية كل فرد أو جماعة عندما تبدأ حرية الآخرين، كما أن الحرية لا تعني عدم المسؤولية، فلا يمكن باسم الحرية الاعتداء على حقوق الغير، أو المساس بكرامتهم، أو انتهاك حرماتهم، ولذلك يعرف البعض الحرية بأنها« قدرة الشخص على التصرف بما لا يضر الآخرين »(5)، وانطلاقا من هذا المفهوم تضع الأنظمة الديمقراطية القوانين التي تنظم الحريات الفردية والجماعية، لتكون أداة تساعد الأشخاص والهيئات والصحافة ووسائل الإعلام والاتصال على المساهمة في تطوير المجتمع والنهوض به، وتضع الضوابط التي تحول دون خلق الفتن داخله، وتحدد القواعد التي تسري على الجميع بالتساوي، ودون أي ميز على أساس السلطة، أو النفوذ، أو الجاه، أو الجنس، أو اللون، أو المعتقد الديني، أو الانتماء السياسي، أو النقابي..

ولا يكفي بطبيعة الحال سن القوانين التي تنص على ضمان الحريات الفردية والجماعية، وتحدد القواعد والضوابط المتعلقة بممارستها، وإنما لابد من احترام مضامينها على أرض الواقع، وعدم تجاوز مقتضياتها في الحياة اليومية، لأن القوانين التي لا تُحترم أو لا تسري في مواجهة الجميع، لا يكون لوجودها أي مدلول، وبالتالي حينما تمنع الصحف عن الصدور، ويتم اعتقال الصحفيين بسبب ما يعبرون عنه من آراء معارضة للسياسات المتبعة، أو منع تظاهرات سياسية، أو عروض فنية، بدعوى انتقادها لأسلوب الحكم، أو سخريتها من بعض الممارسات الصادرة عن السلطات العمومية، أو مواجهة الوقفات الاحتجاجية، وتفريق المسيرات السلمية، باستعمال العنف والقمع، مثل هذه الظواهر تتنافى مع الممارسة الديمقراطية السليمة، وتكشف عن وجه استبدادي قد يكون مستترا وراء قوانين ليس لها سوى وجود شكلي، ولا تجد صداها في مجال التطبيق.