الرئيسية / أخر المستجدات / عرض جرائم الكيان الصهيوني على القضاء الدولي

عرض جرائم الكيان الصهيوني على القضاء الدولي

د. محمد ابو مطر /
“مقاضاة اسرائيل عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية امام محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب افريقيا قد يكون الأهم على صعيد العدوان ومصير الاحتلال بما يتخطى زمنيا 7 أكتوبر”.
إن القضية الفلسطينية منذ عام1948 و ما تعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر  وجرائم وحشية من قبل الاحتلال، وان يعكس أزمة القانون الدولي وآليات اشتغاله وتفعليه الذي يرتبط بشكل أساسي بارادة الدول ومصالحها كما هو الحال في دور مجلس الأمن ونطاق تدخله وتفعيل ميثاق الامم المتحدة والمواثيق  الدولية والالتزام بها في اطار الصراع مع الاحتلال والذي يجسد ارتهان القانون الدولي ومؤسسات انفاذه بالارادة السياسية الدولية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول ذات النفوذ والتأثير في النظام الدولي.
الا أن التوجه نحو محكمة العدل الدولية كمؤسسة قضائية دولية وجزء من منظومة الامم المتحدة، سيكون له نوع من الخصوصية، في ظل عدم امتلاك الدول او المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الدول الكبرى اية ادوات قانونية في مواجهة المحكمة بما في ذلك الامم المتحدة ومؤسساتها، كايقاف التحقيق في الجرائم التي تنظر فيها كما هو الحال في سلطة مجلس الامن في ارجاء التحقيق امام المحكمة الجنائية الدولية،  حيث لا وجود لهذه السلطة في مواجهة محكمة العدل الدولية، كما أنه سيكون لمقاضاة اسرائيل امام محكمة العدل الدولية وصدور قرار بادانتها بارتكاب جرائم الابادة أهمية بالغة على صعيد العدوان الوحشي وآثاره ومصير الاحتلال، ويتضح ذلك من خلال:-
– ان المحكمة وأثناء نظرها في الدعوى ستتعرض للوضع القانوني لقطاع غزة وسوف تستحضر كافة نصوص القانون  الدولي والعرف التي تتعلق بوضعية الاحتلال وحقوق الشعب الخاضع للاحتلال، وهو ما سيكون له أثره الواضح على تفنيد الادعاءات الاسرائيلية بشأن الوضع القانوني لغزة وتنصلها من التزاماتها كدولة قائمة بالاحتلال و حق الشعب الفلسطيني  المشروع في مقاومة هذا الاحتلال.
– ان المحكمة قد تتجه ولحين الانتهاء من اجراءات التقاضي والنظر في الادلة الى تقرير قيام اسرائيل  باتخاذ تدابير احتياطية، والتي سيكون أهمها وقف العدوان والابادة الجماعية،  وتعتبر هذه التدابير الزامية وعدم الوفاء بها يؤثر على قرار المحكمة النهائي، حيث تأخذ المحكمة بعين الاعتبار في حكمها في الدعوى مدى الالتزام بتلك التدابير، وهو ما سيضع اسرائيل في مواجهة المحكمة في حال عدم وقف العدوان كتدبير احتياطي وذلك في سابقة تاريخية لاسرائيل امام القضاء الدولي منذ عام ١٩٤٨.
– ان محل الدعوى اي موضوعها هو اتهام اسرائيل بارتكاب جريمة الابادة الجماعية، وهذه الجريمة تشكل ابشع انواع الجرائم الدولية كونها تستهدف انهاء وجود جماعية سياسية،  وصدور قرار الادانة بشأن هذه الجريمة يثبت الوجه الاجرامي والوحشي واللا أخلاقي واللا انساني لاسرائيل.
–  ان المحكمة وقبل تقرير إدانة الدولة بشأن ارتكاب الجريمة تقرر  ابتداء مسؤلية الدولة عن الجريمة،  وازا قررت المحكمة مسؤلية اسرائيل عن هذه الجريمة فهذا يعد في جوهره نسف قانوني لكافة الادعاءات الاسرائيلية بشأن اعتبار عدوانها  وجرائمها دفاعا عن النفس، وسيفضي الى تحمل اسرائيل كامل المسؤلية عن آثار جريمتها وجبر كافة الاضرار الناجمة عن تلك الجريمة.
 – ان تقرير مسؤلية اسرائيل عن جريمة الابادة الجماعية، ومن ثم نسف ادعائها بالدفاع الشرعي، سيتخطى بأثاره السياسية الى خارج اسرائيل، حيث قام قادة وزعماء العديد من الدول وخاصة الاوروبية كفرنسا وايطاليا وبريطانيا والمانيا وكذلك الولايات المتحدة وكندا الى تسويق دعمهم لاسرائيل في عدوانها الوحشي على الشعب الفلسطيني امام شعوبهم وبرلماناتهم على اساس دعم اسرائيل في دفاعها عن النفس، وهو ما سيرتب عليه تراجع شعبية هؤلاء الزعماء وتراجع دعم اسرائيل، وقد يؤدي الى الاطاحة بهم سياسيا في حال لجأت المعارضة في هذه الدول الى توظيفه في اطار الصراع على السلطة.
– ان ادانة اسرائيل بارتكاب جريمة الابادة الجماعية، سيشكل سند قانوني هام في مقاضاة قادة الاحتلال امام المحكمة الجنائية الدولية وسيضع المحكمة الجنائية والمدعي العام في موقف حرج، قد يدفعه لفتح تحقيق في هذه الجريمة في ظل ما قدم من شكاوى من قبل بعض الدول والمؤسسات الحقوقية والاتحادات والمحامين.
– ان ادانة اسرائيل بارتكاب تلك الجريمة، سيعطي مزيد من القوة للمؤسسات والهيئات الدولية الحقوقية للمطالبة بتشكيل لجان التحقيق ومحاسبة اسرائيل على هذه الجريمة.
– ان ادانة اسرائيل بارتكاب جريمة الابادة سيشجع على ملاحقة قادة الاحتلال وجنوده امام القضاء الوطني في الدول الاوروبية،  اي امام محاكم هذه الدول، كما هو الحال في هولندا التي تم فيها رفع قضايا ضد جنود يحملون الجنسية الهولندية وشاركوا في العدوان الوحشي على غزة، خاصة وان قرار الادانة من محكمة العدل الدولية سيحظى بتقدير القضاء الوطني الاوروبي.
– ان عدم قيام اسرائيل بتنفيذ ما سيصدر عن المحكمة من قرارات يعطي الحق للدول المتضررة حسب المادة ٣٤ من نظام محكمة العدل الدولية ان تطلب من مجلس الامن التدخل لاجبار الدول على احترام وتنفيذ قرارات المحكمة واحكامها، وفي اسوء الاحوال ازا ما تم اعتبار سلطة مجلس الامن في هذا الموضوع تدخل ضمن تدابير حفظ السلم والامن الدوليين التي تعطي للدول الدائمة العضوية الحق في استخدام الفيتو، فان ذلك سيضع الدول دائمة العضوية وخاصة الداعمة لاسرائيل امام موقف محرج لها دوليا ووسياسيا وشعبيا خاصة وان استخدام الفيتوا يعني التصدي للمحكمة ورفض ضمني لقرارها، و الموافقة على استمرار اسرائيل في ارتكاب جرائمها.
 لكل ذلك فان ادانة اسرائيل امام محكمة العدل الدولية يشكل خطوة بالغة الاهمية تتخطى أثار العدوان في مواجهة اسرائيل لتشمل مصير الاحتلال، لذلك يجب دعم هذا موقف جنوب افريقيا، بل والعمل على توسيع قاعدة الاتهام والجرائم لتشمل ايضا جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية لتطويق اي محاولة لافلات اسرائيل من الادانة امام محكمة العدل الدولية.