الرئيسية / أخر المستجدات / لإعادة بناء نظام الأمم المتحدة

لإعادة بناء نظام الأمم المتحدة

د عبد الإله بلقزيز/

ما أغنى المرء عن الحاجة إلى القول إن البشرية المعاصرة مواجهة بتحديات مصيرية لا حصر لها: مخاطر انتشار السلاح النووي وأسلحة الدمار الكلي، والإرهاب والجريمة المنظمة واستمرار الاستعمار في بعض مناطق العالم، وتصاعد موجات العنصرية واليمين المتطرف والنازي، والحروب والأوبئة في المناطق المنكوبة، والفقر والتهميش والمجاعات والتصحر وتناقص الموارد المائية، وتزايد معدلات الاحتباس الحراري والتدمير المتزايد للبيئة والتضخم الديمغرافي في قسم من العالم محدود الموارد، والحيف الصارخ الذي يمس حقوق النساء والأطفال واحتكار الثروة والسلطة من قِبل دول محدودة في العالم، واستمرار علاقات الهيمنة/التبعية بين الدول الكبرى والصغرى والحروب التجارية الهوجاء، والإفراط في الإنفاق العسكري والسباق في التسلح واستمرار الحيف في حق شعوب مهضومة الحقوق الوطنية (الشعب الفلسطيني مثالاً).

تطول قائمة التحديات المصيرية التي تواجه عالم اليوم، والتي لا يمكن السيطرة عليها وكف مخاطرها إلا بسياسات دولية فعالة وناجعة تكون محط توافق العالم كله  شرطاً لازباً لتأمين شرعيتها  وتكون موضع تنفيذ من قِبل دول العالم كافة في نطاق شراكة سياسية كاملة. ومن النافل القول إن صوغ مثل هذه السياسات، والتوافق عليها، والسعي المشترك في تطبيقها، إنما هي وقف على نهوض نظام دولي بأمر القيام عليها. ولكن النظام الدولي الراهن، الموروث عن حقبة الحرب العالمية الثانية، نظام عاجز عن ذلك لأسباب شتى: تكوينية ووظيفية؛ بل لعله كان واحداً من الأسباب المباشرة لتوليد كثير من تلك المشكلات الحادة المومأ إليها؛ لذلك ما من مهرب للبشرية من الذهاب  دولاً ومجتمعات وتكتلات  من التوافق على بناء نظام دولي جديد يتجاوز أعطاب السابق ومواطن الخلل في نظام تكوينه واشتغاله.

غير أنه لا بد هنا من استدراك لبيان معنى الجدة في النظام الدولي المرغوب في قيامه. لا تعني الجِدة  بالضرورة  إقامة نظام ثانٍ مغاير في البنية والتكوين؛ لأن الانصراف إلى مثل هذه الغاية قد يكون ضرباً من المحال في الشروط العالمية الراهنة؛ بل قد تعني (وهذا ما ندافع عنه) إعادة تركيب هذا النظام نفسه من مادته التي هو متكوّن منها، وإعادة تعريف أجهزته ومؤسساته، وإعادة توزيع للسلطات فيه على النحو الذي به يكون نظاماً فاعلاً ومقبولاً وجماعياً. وهذه مهمة ليست بالمستحيلة أو الممتنعة، خاصة في ضوء الشعور العالمي المتزايد بإخفاق النظام هذا  في صورته الحالية  في مجابهة معضلاته الداخلية.

ولما كنا نفترض أن مواطن العطب في هذا النظام تتمثل في احتكار السلطة، فيه، من قبل قسم صغير من الدول، وتتمثل في تعطيل تنفيذ قراراته من قبل سلطة تحتكر التنفيذ والتشريع (هي مجلس الأمن)، فإن إصلاح أوضاعه يبدأ من إعادة تعريف اختصاصات أجهزته ومؤسساته الأساس، والتمييز بينهما في سلطاتها، وتحديداً سلطة التشريع وسلطة التنفيذ، وصولاً إلى إلغاء الآلية القانونية التي بها يتحقق احتكار السلطة من طرف القلة في النظام الدولي.

بناء على المبدأ هذا، ثمة حاجة حيوية إلى إجراء التعديلين التاليين في ميثاق الأمم المتحدة، وعمل مؤسساتها:

أولهما النص على اختصاص «الجمعية العامة» بسلطة التشريع الحصرية، وبإلزامية قراراتها لمجلس الأمن. فأما صفتها التشريعية فمأتاها من أنها الهيئة العامة التي يتمثل فيها الأعضاء/ الدول كافة، وبالتالي فتمثيليتها للدول والمصالح شاملة وليست تمييزية أو تفاضلية. وممارسة أعضاء «الجمعية العامة» سلطة التشريع هي التجسيد السياسي والمؤسسي لمبدأ الشراكة والمشاركة العامة في إدارة شؤون النظام الدولي. وأما إلزامية قراراتها فمأتاها من أن أي تعطيل لها نقض لسلطة التشريع غير جائز قانونياً، فضلاً عما ينطوي عليه من استهتار بالإرادة العامة الدولية، ومن تهميش للسواد الأعظم من دول العالم في تقرير مصير العالم.

وثانيهما، إعادة تشكيل مجلس الأمن، وإعادة تحديد سلطته. وينبغي في إعادة التشكيل، العمل وفق مبدأين: مبدأ الانتخاب المباشر لأعضائه ال15 من الجمعية العامة لفترة زمنية مناسبة، مع إلغاء صيغة الدول الخمس دائمة العضوية فيه، لعدم تناسبها مع مبدأ المساواة في الحقوق بين دول ذات سيادة، ثم مبدأ التوافق أو  عند التعذر  التصويت بالأغلبية المطلقة، وبالتالي إلغاء آلية النقض (الفيتو) التي كانت تحتكرها الدول الدائمة العضوية، كما ينبغي النص على سلطاته كهيئة تنفيذية تنفذ القرارات والسياسات العامة التي تقرها الجمعية العامة.

وما من شك في أن إصلاحاً كهذا، يمس الميثاق وهياكل النظام الدولي، وسلطات مؤسساته، قمين ببعث الثقة به من جديد وبتفعيل دوره، وتصويب مسار أدائه، وضخ روح العدالة فيه.

[email protected]