الرئيسية / أخر المستجدات / معاداة الإنسانية

معاداة الإنسانية

د. وحيد عبدالمجيد/

اختُزلت عبارة معاداة السامية فى اليهود بشكلٍ حصرى تحت تأثير الروايات المُتداولة عن اضطهادٍ تعرضوا له. بدأت مقدمات هذا الاختزال فى نطاقٍ ضيق فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر تعبيرًا عما اعتُبرت موجة عداءٍ لليهود فى بعض البلدان الأوروبية.

وبموجب هذا الاختزال، احتُكر مفهوم معاداة السامية لمصلحة اليهود، واستُبعد العرب والآشوريون وآخرون يعتبرون ساميين أيضًا بل أكثر, ويتكلمون لغاتٍ سامية. واختُزل المُختزَل بعد ذلك فى الصهاينة، فصار مفهومُ معاداة السامية مرادفًا لنقد الصهيونية وإسرائيل، وليست مُعاداتهما فقط. ويُستخدم هذا الاختزال المُضاعف الآن أسوأ استخدامٍ لسببين. الأول أنه صار أداةً لإرهاب كل من ينقد الكيان الصهيونى فى دول غربيةٍ تصغر وتتدنى عندما تتعاملُ مع هذا الكيان تعامُلَ الخدم مع السيد، وهى التى يُفترض أنها كبيرة. والثانى أن الاضطهاد صار معكوسًا بالكامل، فلم يعد اليهود مضطهدين بخلاف ما حدث أو بدا فى مراحل سابقة، بل أصبح الصهاينةُ منهم أكثر من يمارسون الاضطهاد الأبشع فى العصر الحديث.

يدهسون إنسانية الشعب الفلسطينى، بل ينكرون انتماءه إلى البشر. وفى هذا الإنكار وذلك الدهس عداءُ لا يمكن اختزاله فى الفلسطينيين وحدهم. فهو يمتد إلى كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة. إنها معاداةُ للإنسانية فى الأساس. معاداةُ لا تقتصر على الصهاينة، بل تشملُ كل من يساندهم ويشاركهم فى القتل والتدمير والتجويع والتعطيش والحرمان من العلاج. ما ينطبقُ على الصهاينة يسرى على كل من يشاركهم فى معاداة الإنسانية, وفى مقدمتهم مثقفون وأكاديميون يُفترض أن يُدركوا هول الجرائم فى غزة. والمُقاطعةُ واجبةُ لكل من يجهر منهم بمساندة معاداة الإنسانية فى فلسطين، مادام صعبًا اليوم سن قوانين تحظرها، فى الوقت الذى تُحظر مُعاداةُ جزءٍ صغيرٍ جدًا من البشر بموجب تشريعاتٍ فى دولٍ غربية.

وفى حالة وجود أحدهم أو آخر فى مؤتمرٍ أو ندوةٍ هنا أو هناك فلا سلام ولا كلام مع أعداء السلام, بل تجاهل تام. وعند الاضطرار إلى الرد على ادعاءات هذا أو ذاك منهم، يُوجه الحديثُ إلى رئيس الجلسة بوصفه توضيحًا وتصحيحًا.

وهذا أضعف الإيمان إلى حين بإذن الله.