الرئيسية / أخر المستجدات / الإعلام وتسويق الإرهاب وسلطة الصورة

الإعلام وتسويق الإرهاب وسلطة الصورة

د خلف المفتاح/

يمكن تعريف العولمة بأنها سلطة التقانة وسطوتها، ورافعتها الأساسية وسائل الإعلام الفاعل التي أصبحت في العصر الحاضر أحد أهم عناصر وأدوات صناعة الرأي العام وتشكيل المواقف والاتجاهات وتنميط الثقافات وتشكيل الوعي مع تراجع دور الوسائل التقليدية كالأحزاب والمؤسسات الثقافية وغيرها، وهذا يعود إلى التقانة الإعلامية التي أحدثتها العولمة، ما جعل العالم قرية إلكترونية واحدة أزاحت الحدود الثقافية والإعلامية الوطنية التي كانت تتحكم بمساحات التغطية التلفزيونية على جغرافيا بعينها، فالشابكة العالمية أسقطت وبشكل نهائي أي قدرة على المنع والتحكم في الإعلام الفضائي المتعلق بالصورة على وجه التحديد.

ومع انطلاق عشرات بل مئات المحطات الفضائية التي يحمل إرسالها على الأقمار الصناعية أصبحت ساحة المنافسة الإعلامية مرتبطة بالقدرة على التحكم والسيطرة في هذا المجال، وهنا برزت التقانة الحديثة ومطابخ صناعة الأخبار وإنتاجها وبثها أساسية في ذلك، ما جعل الغرب يمتلك القوة الفاعلة الأساسية والحاسمة في هذا المجال مستفيداً من الفجوة المعرفية والتقانية التي تميزه عن باقي دول العالم، لتشكل هذه الميزة أهم الفوارق، بل نقاط القوة لديه، وتتحول إلى إحدى أهم أدوات الاستلاب والسيطرة والضغط على شعوب العالم وحكوماته والتحكم باتجاهات الرأي العام عبر الاحتكار الإعلامي لصناعة الأخبار وبثها.

لقد جعل الغرب من القوة الناعمة والذكية إحدى أهم أدوات الاستعمار الحديث بحكم السطوة الواسعة لوسائل الإعلام على الرأي العام العالمي وقدرتها على نقل الأحداث وتوظيفها بل صناعتها بما يخدم أجندتها وخططها وإستراتيجياتها الكونية، ولعل أبرز تجليات ذلك حرب الخليج الثانية وحربا أفغانستان والعراق، حيث لعبت وسائل الإعلام الدور الكبير في تحقيق انتصار سريع للقوى الغربية بحكم التأثير النفسي أو ما أطلق عليه الأميركيون الصدمة والترويع.

إن أهمية الإعلام لا تكمن في امتلاك أدواته، وإنما في كيفية استعماله وتوظيفه لها، أو ما يمكن تسميته الدور الوطيفي لوسائل الإعلام، من هنا يأتي الحديث عن العلاقة بين الإعلام والإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، وهي علاقة إشكالية تحتاج إلى المزيد من التأمل بهدف الوصول إلى قناعات أو تصورات محددة من خلال تحليل الناتج، فهناك العديد من الآراء التي أكدت على علاقة تبادلية بين وسائل الإعلام والإرهاب بشكل عام، بحيث يستثمر كل منهما الآخر، ويستفيد من دوره ووظيفته على فرض أن أولهما يصنع الحدث (الإرهاب) والثاني يقوم بتسويقه (الإعلام) ما جعل طرح العديد من الأسئلة أمراً وارداً في إطار البحث عن أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب على أمل تشخيصها ومحاصرتها وصولاً للقضاء عليها، وهذا يفسح في المجال طرح العديد من الأسئلة الملحة المتعلقة بذلك من قبيل كيف ينشأ الإرهاب وينتشر ويعيش، وهل ذلك ممكن من دون الترويج الإعلامي؟ هل تؤدي التغطية الإعلامية السريعة للأعمال الإرهابية في تغذية ذلك؟ هل تسهم وسائل الإعلام في نشر الثقافة الإرهابية وخلق بيئة حاضنة للإرهاب أو منتجة ومعززة له؟ هل ثمة إعلام صانع ومسوّق للإرهاب كهدف ووظيفة ودور؟ أسئلة كثيرة كانت مثار جدل ونقاش على مستويات كثيرة، خصصت لها مؤتمرات وندوات وانبرى لها كتاب وباحثون ومتخصصون في الشأن الفكري والثقافي والإعلامي وعلم النفس والمجتمع، خرجت في أغلبيتها إلى نتائج متقاربة وقواسم مشتركة كثيرة، كلها تصب في إطار أن للإعلام دوراً كبيراً في نشوء الظاهرة الإرهابية وتسويقها وترويجها، وكذلك في محاصرتها وتجفيف منابعها وصولاً للقضاء عليها.

وانطلاقاً من أن ظاهرة الإرهاب تحظى باهتمام ومتابعة شعوب العالم وحكوماته لما لها من تأثير وتداعيات خطيرة على الأمن الشخصي والجمعي للأفراد والشعوب، وكونها ظاهرة إجرامية دموية منظمة، هدفها السيطرة والترويع عبر الخوف والقتل والدم، وأن ذلك لا يحصل الأمن خلال إستراتيجيات واضحة وأدوات خطيرة هدفها خلق حالة من الفوضى العامة، فإن التركيز على البعد الإعلامي في مواجهة ذلك أمر جدير بالتركيز عليه وإبرازه عاملاً أساسياً في المواجهة، وهنا لابد من التأكيد على تعريف الإرهاب لتتضح الصورة ولا تبقى الأمور في دائرة الالتباس والغموض والاجتهاد أو التوظيف السياسي كما هو حاصل راهناً ليكون ذلك غطاء أو حجة لبعض وسائل الإعلام، تختبئ خلفها لتبرير تعاطيها مع أدوات الإرهاب والتكفير، فالإرهاب بالتعريف المتفق عليه في أغلب القراءات هو الاستخدام غير المشروع للعنف بهدف تحقيق أهداف سياسية عبر الترويع والخوف وإدخال الرهبة في نفوس الناس، فهو عمل منظم وموجه يستهدف مجتمعات وجماعات إنسانية أو سياسية بعينها، والدراسات وبنك العقول نواتها الصلبة وقوتها الفاعلة.