الرئيسية / Uncategorized / العام والخاص في الثقافة

العام والخاص في الثقافة

د حسن مدن/

حين ندرس تطوّر المجتمعات المختلفة يتعين ألا نرى أي حقل من حقول هذا التطوّر، أو التحوّل، سواء كان اجتماعياً أو ثقافياً أو سياسياً أو اقتصادياً منفصلاً عن سواه من مجالات، فالتحوّل الاقتصادي له انعكاساته الاجتماعية والثقافية، والأمر نفسه يصح على التحوّل السياسي الذي يترك آثاره الحاسمة أيضاً في بقية المجالات، وقس على ذلك في بقية الحقول، ما يفرض على الباحث أن يتحلى برؤية بانورامية شاملة، يرى الظواهر المختلفة في ترابطها وتفاعلها وتشخيص ما بينها من تأثر وتأثير متبادلين.

هذا القول لا ينفي، أو هكذا يفترض، أن ثمة خصوصية، لنقل إنها نسبية، لكل حقل من هذه الحقول، بحكم وجود ديناميات خاصة به نابعة من الطبيعة المختلفة للحقل المعني عن سواه من حقول، أي أنه بمقدار ما توجد مشتركات وروابط بين الحقول المختلفة، توجد أيضاً خصوصيات، ولو أخذنا الحقل الثقافي مثالاً، لوجدنا أن هذه الخصوصية تتيح للفعالية الثقافية العائدة إلى مرحلة سابقة، ألا تقف عن الفعل بمجرّد ولوج مرحلة تالية، فمن أجل نشوء فعالية ثقافية جديدة تسم المرحلة التالية، يستلزم الأمر وقتاً قد يطول، ما يعني أن الماضي الثقافي يظل يفعل فعله في الحاضر أيضاً، وقد يزاحم أوجه الوعي والإنتاج الثقافي الجديدة ويصارعها، حتى لو كان هناك مثقفون عابرون للمراحل، يستمرون في أداء الأدوار نفسها رغم تغيّر الظروف؛ لأن هذه الأدوار غير مرتبطة بمرحلة بعينها، تنتهي مع انتهائها.

ليست هذه هي الإشكالية الوحيدة التي تواجهنا عند البحث في التحقيب الثقافي لمجتمع من المجتمعات، فقد نصادف مجتمعاً يتسم بالجمود والثبات – أو أقلّها بالبطء في تحوّلاته – ما يجعلنا أمام مشهد ثقافي طويل ممتد، فلا يمكننا العثور فيه على (تضاريس) تتيح لنا أن نقسم تاريخه الثقافي إلى مراحل أو حقب، وإذا كانت الحقبة التاريخية أو الثقافية في مجتمعٍ سريع التطوّر وعالي الديناميكية لا تستغرق سوى عقود قليلة، فإنها في مجتمع يعاني من الجمود أو الثبات أو البطء في التحوّل قد تمتد إلى قرن، لا بل إلى قرون.

هذا القول يجب أن يؤخذ أيضاً في نسبيته، فحتى السكون أو الجمود الطويل، لا يخلو من تفاعلات في ثناياه، قد لا تكون ظاهرة أو مرئية، لكنها تفعل فعلها بصمت، ما يؤدي تدريجياً – ولو طال الزمن – إلى تآكل هذا الجمود، مهيئاً الفرصة لتحوّل نوعي قادم، عندما تنشأ محفزاته أو حوامله، وهذه التفاعلات بحاجة لبحث واستجلاء، وهنا تكون المهمة أشقّ على الباحث، حين يتعين عليه البحث بعناية عما هو غير ظاهر بالعين المجردة.

[email protected]