الرئيسية / أخر المستجدات / اللغة العربية والمخاطر التي تحدق بها
بثينة شعبان

اللغة العربية والمخاطر التي تحدق بها

انتصار الدنان/

اللّغة العربيّة تنتمي إلى العائلة السّاميّة، والعربيّة كبرى اللّغات الّتي بقيت من السّاميّة، وأوسعها انتشارًا، وهي ( العبريّة، والحبشيّة، والسّريانيّة). كما أنّها إحدى اللّغات العالميّة الكبرى، ولها تاريخٌ مستمرٌّ لم ينقطع، ولم يتعرّض لتغيّراتٍ جوهريّة كما حدث في اللّغات الأوروبيّة.

القرءان نزل بالعربية، حين جاء الإسلام أوائل القرن السّابع الميلادي. ومع انتشار المسلمون في أرجاء العالم بعد الفتح الإسلامي، كان لا بدّ للعربيّة بأن تحظى بالانتشار أيضًا، وهي بذلك قضت على عدد كبير من اللّغات ذات الحضارات القديمة.

ويقول الدّكتور عبده الرّاجحي: “وفي الوقت الّذي كانت أوروبا تغرق فيه في ظلامٍ حالك، وقد ضاعت منها علوم اليونان، كانت العربيّة هي الّتي تحمل المشعل، وظلّتِ ” العلوم” تتكلّم العربيّة قرونًا ممتدّة إلى أن بدأ الغرب يخرج من عزلته المظلمة، فاتّكأ على ما حملته العربيّة من تراثٍ قديم”.[1]

وفي أواخر القرن الثّامن عشر تعرّض العالم العربيّ إلى موجات من الاستعمار، وكانت العربيّة حينها هي الحصن الّذي يحمي العرب، وقد قدّمت بلاد الشّام- في سوريا ولبنان وفلسطين- على وجه الخصوص- جهودًا كبيرة في خدمة العربيّة في تلك الأوقات العصيبة، واشتهرت بيوتات كاملة في حمل لواء العربيّة نحوًا ولغةً وآدابًا.[2]

أمّا في القرن التّاسع عشر، فقد كان لرفاعة الطّهطاوي أثر بالغ في وصل العربيّة بالحياة المعاصرة. كمّا أنّ الأزهر الشّريف لعب دورًا كبيرًا في حماية تراث العربيّة، كما كان للجامعة المصريّة في أوائل القرن العشرين دورٌ في ازدهار الكثير من العلوم في العربيّة.

وكذلك لعبت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين دورًا بارزًا في عمليّة الحفاظ على اللّغة العربيّة، وتلك الجمعيّة برزت بصفةٍ رسميّة سنة 1931، وتلك الجمعيّة ضبطت خطّة عمل في المجال التّربويّ، والإصلاح الفكريّ والّدينيّ، وصمّمت برنامجًا تعليميًّا، نفّذته بواسطة المدرسة، والمسجد، والصّحيفة، والنّادي، واللّقاءات الدّوريّة الّتي كانت تجمع العلماء، وطلّاب العلم من أبناء الوطن، وتستهدف تنمية وعي الأمّة بذاتيّتها، ودعوة أفرادها إلى التّكفّل ببناء المدارس وتشييد المساجد.[3]

تعتبر اللّغة العربيّة اليوم إحدى اللّغات الرّسميّة للأمم المتّحدة وأنظمتها المختلفة، ومع عصر العولمة، عصر الانفتاح، والغزو الثّقافي، بدأ علماء العالم ومفكروه يستشعرون قلقًا كبيرًا على تراث الإنسانيّة، بخاصّة في مسألة الثّقافات واللّغات الخاصّة، لأن العولمة ليس هدفها السّيطرة على الثّقافة العربيّة ولغتها فقط، بل هدفها السّيطرة على العالم بأسره.

فالعولمة كما ورد معناها في معجم المعاني، هي حرّيّة انتقال المعلومات، وتدفّق رؤوس الأموال، والسّلع والتّكنولوجيا، والأفكار والمنتجات الإعلاميّة والثّقافيّة، والبشر أنفسهم بين جميع المجتمعات الإنسانيّة. والأخطر من ذلك عولمة الثّقافة الّتي أحدثت هزّات ثقافيّة واجتماعيّة لدى الشّعوب المختلفة، ما أدّى إلى العديد من المظاهر السّلبيّة، ومن بين هذه المظاهر السّلبيّة، محاولة إضعاف اللّغة العربيّة الّتي شهدت مع العصور المنصرمة مواجهات عنيفة الاستعمار الأجنبي كما ذكرت سابقًا، الّذي ما زال إلى اليوم يحاول ضربها بشتّى الوسائل الممكنة، لكنّها اليوم تشهد غزوًا من نوعٍ آخر، هو غزو وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي من خلالها يتم التّحادث، وذلك بلغة الإنترنت ( Catting) الّتي لا من كبير أو صغير إلّا ويستخدمها، ويعزو مستخدموها السّبب في ذلك سهولة كتابتها، لأنّهم يستطيعون استخدام الطّباعة بالأحرف الأجنبيّة أكثر منها بالعربيّة، كما أنّهم بحسب ما يقولون:” إنّهم لم يعتادوا على التّحادث باللذغة العربيّة، لأنّ هناك بعض الكلمات الّتي لا يعرفون معانيها ليستخدموها”. ويعود ذلك بالطّبع للازدواج اللّغويّ في عمليّة التّعلّم، فالعربيّة اليوم تعاني حالة غير صحّيّة في مناهجها ومحتوياتها، وطرق تدريسها في التّعليم والعام والخاص على حدٍّ سواء، وهو ما أفضى إلى تراجع واضح في الأداء استماعًا وحديثًا وقراءةً وكتابة. ما يؤدّي إلى غياب الشّعور القومي، أو الدّينيّ تجاهها، خاصة أنّها لغة التّخاطب بين العرب كافّة.

إزاء هذا الأمر يجب أن ندق ناقوس الخطر إن لم يُعمل على إعادتها في مسارها الصّحيح، ويكون ذلك بدءًا بالأسرة الّتي يجب أن تتخاطب مع أبنائها باللّغة العربيّة لا بلغتين منفصلتين عن بعضهما البعض، ثمّ يجب تصويب وتصحيح المناهج التّعليميّة، وتأتي وسائل الإعلام بالدّرجة الثّالثة، الّتي يجب أن تتحمّل مسؤوليّة وطنيّة تجاه لغتها القوميّ.

إنّ أبناءنا صاروا منفصلين عن واقعهم العربيّ، ولغتهم الأمّ، فهم يعيشون اغترابًا كبيرًا، وذلك جرّاء إقبال الأهل على تعليم أبنائهم لغة أجنبيّة لظنّهم أنّها تساعدهم في الحصول على عمل بشكل أوسع وأكبر، متجاهلين أمر لغتهم القوميّة العربيّة.

إن الهجمة الشّرسة على العربيّة لم تأت محض صدفة، بل مدروسة. إنّها حرب قوميّة في أحد أوجهها، لذلك يجب إعادة الأمور إلى نصابها الصّحيح، ومراجعة الأبناء، وليس ذلك فقط، بل يجب أن نبدأ من أنفسنا أولًا نحن الأهل.

ومع كل تلك الهجمة الشّرسة غير أنّ العربيّة تشهد إقبالًا متزايدًا في العالم، ويعود ذلك لأسباب دينيّة، وثقافيّة، واقتصاديّة.

[1] – الرّاجحي، د. عبده: العربيّة الجامعيّة لغير المتخصّصين، دار النّهضة العربيّة ( ص.9).

[2] نفسه: المرجع نفسه ( ص.9).

3  فضيل: د. عبد القادر: دور جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين في الدّفاع عن اللّغة العربيّة أثناء الاحتلال الفرنسي.