الرئيسية / أخر المستجدات / الوحدة المغاربية: مقاربة اقتصادية ورهانات مستقبلية

الوحدة المغاربية: مقاربة اقتصادية ورهانات مستقبلية

علي بوطوالة/

تقديم:

مرت حتى الآن 31 سنة على توقيع معاهدة تأسيس إتحاد المغرب العربي، وهي مدة كافية لظهور نتائج ملموسة لتلك المعاهدة لو كانت قد دخلت حيز التنفيذ، لكن للأسف تدهورت أوضاع الشعوب المغاربية وتفاقمت أزماتها بسبب إضاعة فرص تاريخية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بل إن تكلفة الفرص المهدورة لتعطيل الوحدة المغاربية كما سنرى في هذه الورقة باهظة جدا، فالهشاشة الاقتصادية للبلدان المغاربية وعجزها عن مواكبة العولمة الاقتصادية، رافقهما تعمق الاختلالات الجهوية والاجتماعية وتوسع مظاهر البؤس والحرمان وأنشطة الاقتصاد غير المهيكل، وموجات الهروب الجماعي للشباب المغاربي من جحيم البطالة عبر الهجرة السرية وقوارب الموت ازدادت رغم كل الإجراءات المتخذة لإيقافها. كل هذا يدفعنا إلى طرح السؤال القديم/ الجديد، إلى متى ستظل الأنظمة الحاكمة تدير ظهرها لشعوبها ولمنطق التاريخ ومتطلبات العصر؟ ألم يحن الوقت لاستخلاص الدروس من أكثر من نصف قرن من الدوران في الحلقة المفرغة للتجزئة والتخلف؟ إلى أين تسير البلدان المغاربية في السياق الدولي الراهن؟

المعطيات البنيوية: تكامل في غياب التوظيف والإنجاز.

كل قارئ لمعطيات بلدان شمال إفريقيا لا بد وأن يلاحظ التكامل بين اقتصاديات أقطار هذه المنطقة، التي كان من المفروض بعد ستة عقود من استقلالها من الاستعمار أن تكون في طليعة البلدان الصاعدة. فهي منطقة تتميز بالجمع بين الثروات الطبيعية والطاقة البشرية على عكس منطقة الخليج مثلا التي تزخر بالموارد الطاقية وتنقصها اليد العاملة؛ أو مناطق أخرى تعاني من الكثافة السكانية في غياب الموارد الطبيعية الكافية.

من أهم ما تتوفر عليه المنطقة المغاربية من موارد ضرورية لأية نهضة صناعية نجد المعادن مثل الحديد والنحاس والزنك والذهب بموريطانيا والبترول والغاز بالجزائر و ليبيا بكميات هائلة والفوسفاط بالمغرب وتونس.. كما أن محاذتها للمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط تجعلها من أغنى مناطق العالم في الصيد البحري. إضافة طبعا إلى ملايين الهكتارات الصالحة للزراعة. إنها منطقة مؤهلة لاحتضان جميع الأنشطة الاقتصادية من فلاحة وصناعة وخدمات وتمثل ساكنتها التي تقارب 100 مليون نسمة سوقا كفيلة باستيعاب كل أنواع المواد الاستهلاكية والمصنعة، خاصة وأن وجود سوق تضم عشرات الملايين من المستهلكين تعد من الشروط الضرورية لأي إقلاع اقتصادي حقيقي.

إن المنطقة المغاربية إذن فضاء جغرافي، وتجمع بشري متجانس بفعل اللغة والثقافة والتاريخ المشترك لا تنقصهما إلا الإرادة السياسية المشتركة للتحول إلى فاعل اقتصادي عالمي وازن. وقد أبرزت العقود الماضية أنه من الوهم الاعتقاد بأن بلدا من البلدان الخمسة بمفرده قادر على توسيع حصته في السوق الدولية وتحقيق الريادة في تنافس أو في صراع مع جيرانه، خاصة وأن قطاعات الإنتاج الأساسية في اقتصادات البلدان الخمسة تتسم بالهشاشة، فالفلاحة يتهددها الجفاف الدوري، والبترول والغاز والمواد الأولية تتأثر بتقلبات السوق الدولية، والسياسة ترتبط بالأمن والاستقرار، والصناعة بدورها في غياب سوق ذات طلب قوي وقدرة شرائية كافية لا تستطيع أن تنافس صناعات تعتمد على ما يعرف بالامتياز المقارن (تفوق تكنولوجي أو كلفة إنتاج جد منخفضة) كما هو الحال بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا.

وحتى ندرك حجم التحديات التي لا زالت تواجه البلدان المغاربية، ومدى اتساع الهوة بيننا وبين بلدان أو مناطق مماثلة لها، بل وأقل منها سكانا وموارد طبيعية، نذكر بالمعطيات التالية:

جدول بمعطيات البلدان الخمس (2016) – المصدر: البنك الدولي

البلد المساحة (كلم 2) الساكنة (مليون) الناتج الداخلي الخام (مليون دولار) الناتج الداخلي الخام للفرد (الحقيقي) نسبة النمو نسبة البطالة
الجزائر 2 382 000 40.4 168.3 4129 3.6 10.2
المغرب 710 850 34.8 104. 3001 1.8 9.8
تونس 164 000 11.4 42.4 3777 1.5 14.5
ليبيا 1 760 000 6.3 39.4 6169 3.3 20.6
موريطانيا 1 026 000 4.2 4.7 1244 3.3 13.6
المجموع 5 779 000 97.1 359.7

إذا قارنا معطيات هذا الجدول، خاصة فيما يتعلق بإنتاج الثروة (الناتج الداخلي الخام) مع بلدان من آسيا وأمريكا الجنوبية التي كانت في منتصف القرن الماضي، تعيش أوضاعا مشابهة لأوضاع المنطقة المغاربية سنلمس حجم الهوة التي أصبحت تفصل بين البلدان المغاربية وما أصبح يعرف الآن بالبلدان الصاعدة. وحتى لا نسقط في ما توحي به مقولة “لا مقارنة مع وجود الفارق” اكتفينا بخمس بلدان فقط هي كوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا والمكسيك والأرجنتين لوجود أوجه الشبه في المقومات البشرية والطبيعية إلى حد ما مع البلدان المغاربية:

د المساحة (كلم 2) الساكنة (مليون) الناتج الداخلي الخام (مليار دولار) الناتج الداخلي الخام للفرد (الحقيقي) نسبة النمو نسبة البطالة
كوريا الجنوبية 100 000 50.5 11044 27 633 2.7 3.3
ماليزيا 330 000 31.7 302.7 9317 4.3 3
تركيا 784 000 79.6 735.7 9317 3.3 10.2
المكسيك 1 958 000 128 1163.6 8699 2.1 4.5
الأرجنتين 2 780 000 43.8 541.7 12425 1.8 6.9

إن قراءة سريعة للجدول أعلاه تبرز مثلا أن بلدا مثل ماليزيا أصغر مساحة من دول المغرب العربي يصل إنتاجه الداخلي الخام إلى 302.7 مليار دولار سنويا، أي تقريبا الإنتاج الداخلي الخام للدول المغاربية الخمس مع العلم أن عدد سكانه أقل من ثلث سكان المنطقة المغاربية . أما كوريا الجنوبية البلد الأصغر مساحة من تونس والتي يصل عدد سكانها إلى حوالي نصف سكان المنطقة المغاربية فيصل نتاجها الداخلي الخام إلى أربعة أضعاف ناتج الدول المغاربية الخمس ويصل الناتج الداخلي للفرد فيها إلى ثمانية أضعاف متوسط الناتج الداخلي الخام للفرد المغاربي ! ومعلوم أن كوريا الجنوبية لا تتوفر على الثروات الطبيعية الضخمة التي تتوفر عليها المنطقة المغاربية وكانت أقل تنمية من الدول المغاربية منتصف القرن الماضي.

هذا التأخر الهائل الذي تعاني منه المنطقة المغاربية يجد تفسيره في توقف المشروع المغاربي في الوقت الذي دفعت فيه العولمة مختلف البلدان النامية إلى تكوين المجموعات الجهوية والإقليمية لتنمية التجارة البينية وتدارك الخصاص في البنيات التحتية وردم الهوة التكنولوجية التي كانت تفصلها عن البلدان المتقدمة بتوظيفها الذكي للثورة الرقمية.

إن فشل التنمية في البلدان المغاربية والعربية رغم اختلاف توجهاتها واختياراتها الاقتصادية يوحي بأن هناك معطى أو معطيات بنيوية مشتركة تعطل أي إقلاع اقتصادي وأي تحول ديمقراطي حقيقي؛ ويتعلق الأمر بما أصبح يعرف بالرأسمال البشري أي المعرفة العلمية والكفاءات والمهارات التي تكتسبها الساكنة النشيطة من التعليم والتكوين والخبرة المهنية.

أشارت المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خاصة) إلى غياب الحكامة الجيدة وتبذير الموارد وثقل بيروقراطية الإدارة، وضعف دور المؤسسات، وخاصة غياب دولة الحق والقانون وتضخم ظاهرة الفساد (الرشوة)، ولكنها لم تتوقف على تأثير توقف المشروع الوحدوي، وانفراد الاتحاد الأوروبي بكل دولة مغاربية على حِدَةٍ لفرض شروطه عليها. وبدل اندماج اقتصاديات المنطقة فيما بينها اندمجت بهذا ار أو ذاك في الاقتصاد الغربي؛ وأدت هذه الإستراتيجية الانتحارية اقتصاديا وماليا إلى ما تعرفه المنطقة حاليا من تداعيات ومضاعفات سلبية لإفشال المشروع المغاربي.

كلفة الفرص المهدورة (Le coût d’opportunité)

منذ سنوات، والجميع يؤكد أن الوحدة المغاربية ضرورية لرفع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحل إشكالية البطالة وتلبية انتظارات شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وفي مقدمة كل ذلك فتح الحدود أو فتح المجال لحرية تنقل الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال. وقد سبق لصندوق النقد الدولي أن أثار الانتباه إلى ضعف المبادلات التجارية بين الأقطار المغاربية حيث لا تتعدى 3 % من مبادلاتها الخارجية. وقدرت من جهتها الكتابة العامة لاتحاد المغرب العربي أن تعثر سيرورة الاندماج المغاربي يكلف كل دولة من دوله 2 % من نسبة النمو السنوية. في نفس السياق أوضح البنك الدولي سنة 2006 أن من شأن اندماج اقتصادات المنطقة المغاربية رفع الناتج الداخلي الخام للفرد بنسبة تتراوح بين 24 % كأضعف نسبة و34 % كأعلى نسبة حسب مؤهلات كل بلد.

وهكذا إذا انطلقنا من أرقام 1990 واعتمدنا فرضية ارتفاع نسبة النمو السنوية بنقطتين لكل بلد من البلدان الخمسة فهذا يعني أن كل بلد أضاع على الأقل ثلث ناتجه الداخلي الخام الحالي، ونصف الناتج الداخلي الخام للفرد. بصيغة أخرى لو تحققت الوحدة المغاربية كما كان مخططا لذلك لربحت الجزائر حوالي 56 مليار دولار والمغرب 34 مليار دولار، وتونس 15 مليار دولار وموريطانيا 1.5 مليار دولار وليبيا 13 مليار دولار كل سنة منذ 2010 ! وبطبيعة الحال لكان وضع المنطقة المغاربية مشابها لوضع تركيا، أي منطقة صاعدة ذات مستقبل واعد، وقوة اقتصادية لها وزنها في التفاوض مع شركائها في أوروبا وأمريكا وآسيا، ولتفوقت على جنوب إفريقيا وأصبحت القطب الاقتصادي المهيمن في إفريقيا.

ولنفترض أن هناك طريق سيار وخط سكك فائق السرعة يربطان عواصم دول المنطقة فضلا عن ارتفاع وتيرة التنقل الجوي داخل المنطقة ووجود مشاريع كبرى مشتركة وعملة مغاربية موحدة، ومنتوجات صناعية مغاربية تصل إلى كل بقاع العالم….الخ.. ألن يكون وضع الشعوب المغاربية وضع أفضل والعيش في البلدان المغاربية يغري بالهجرة إليها عوض الهروب منها ؟!

هناك مجال بالخصوص يحز في نفس كل مغاربي على هدر الفرص التي كانت متاحة فيه، لو تحملت الأنظمة الحاكمة مسؤوليتها وتجاوزت صراعاتها، إنه مجال التكنولوجيات الجديدة، فنحن نتذكر أنه في بداية سبعينات القرن الماضي كانت دول الجنوب، التي أطلق عليها الاقتصادي ألفرد سوفي (Alfred Sauvy) سنة 1952بلدان العالم الثالث، وسمتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OCDE) سنة 1957 بالدول السائرة في طريق النمو، متشابهة في بنياتها الاقتصادية نظرا لخضوعها للاستعمار لمدة طويلة ومعاناتها من التخلف بكل أشكاله وأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لكن منذ منتصف السبعينات استطاعت دول جنوب شرق آسيا (كوريا الجنوبية، وماليزيا، والباكستان، والتايلاند) تحقيق إقلاعها الاقتصادي وارتفعت نسب نموها الاقتصادي بشكل ملحوظ بينما دخلت الدول المغاربية في صراع عبثي حول الريادة والزعامة بمنطق جاري يريد بي شرا. وبدأ هدر الأموال والطاقات على الجيوش وشراء السلاح والحلفاء داخل إفريقيا وخارجها في تعارض تام مع حتميات التاريخ والجغرافيا!

وبفعل صدمة التحولات الكبرى في نهاية الثمانيات (انهيار الاتحاد السوفياتي وزحف العولمة) بدا وكأن دول المنطقة استفاقت من سباتها وكوابيسها، وقررت العزم على تحقيق الوحدة المنشودة التي طالما انتظرتها شعوبها منذ بداية الاستقلال، وانطلقت المفاوضات التي توجت باتفاقية تأسيس اتحاد المغرب العربي في 28 فبراير 1989 بمراكش وانطلقت سيرورة بناء المؤسسات المغاربية. لكن مرة أخرى سيتغلب شيطان التجزئة على طموح الوحدة بدعوى أولوية الأمن الوطني ومحاربة الإرهاب، مع أن توحيد الجهود بما في ذلك الجانب الأمني هو الجواب الصحيح على الإشكاليات المطروحة لكل بلد. وهكذا بدل انتهاز فرصة الثورة الرقمية وتدارك الفجوة التكنولوجية ظلت البلدان المغاربية من أضعف البلدان استعمالا لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، والبيو تكنولوجيا والهندسة الوراثية. فحصة نفقات تكنولوجيا الإعلام والاتصال بالنسبة للناتج الداخلي الخام كانت سنة 2012 كما يلي حسب معطيات البنك الدولي والاتحاد الدولي للإعلاميات:

البلد حصة نفقات تكنولوجيا الإعلام والاتصال بالنسبة للناتج الداخلي الخام (2012)
الجزائر 3.5 %
ماليزيا 12.3 %
تونس 5.5 %
الفلبين 6.2 %
المغرب 7 %
كوريا الجنوبية 7 %

القول أن كل تأخر في تحقيق المشروع المغاربي يصاحبه تدهور في الأوضاع المعيشية لشعوبه وانسداد آفاق العمل أمام شبابه، وهدر الطاقات في تنافس عقيم بين حكومات بلدانه والمقاولات المرتبطة بها، بدل تكوين قطب اقتصادي جهوي يتوفر على كل مقومات النهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتطور الحضاري. إن المقاربة القطرية المستندة إلى وطنية ضيقة قد وصلت إلى حدودها القصوى؛ ولم يعد بإمكانها إخراج البلدان المغاربية من الوضع الذي توجد فيه ! وعليه تبقى الشراكة الإستراتيجية وحدها المدخل الضروري للازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية البشرية لكل أقطار المنطقة.

أي دور للقوى الديمقراطية والتقدمية في تحقيق الوحدة المغاربية.

لم يتحقق أي مشروع كبير في التاريخ دون رؤية إستراتيجية وعمل متواصل للقوى المؤمنة به ! ونظرا لأن مشاريع التوحيد الفوقية أدت إلى ما أدت إليه من فشل وإخفاق رغم الطموح المشروع والإرادة الصادقة لأصحابها من قادة وحركات قومية في الغالب، فإن طبيعة المرحلة الراهنة وسياق العولمة المأزومة، وتداعيات الثورات المضادة في المنطقة العربية، كل هذه العوامل تفرض على القوى الديمقراطية والتقدمية بالمنطقة المغاربية الانطلاق من تشخيص إستراتيجي يستحضر الإمكانيات المتاحة، والمنهجية العقلانية والديمقراطية لبناء إتحاد مغاربي يتيح لجميع شعوب المنطقة فرصة حقيقية للإقلاع الاقتصادي والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. وطبعا لا بد من الوقوف على أوهام وأخطاء الماضي أنما كان مصدرها، والتقدير السليم للصعوبات والعراقيل التي تقف في وجه مشروع من هذا الحجم، إذ لا يمكن الاستهانة بمناورات وخطط أعداء الشعوب المغاربية المستفيدين من الوضع الحالي بما فيهم بعض أبناء المنطقة التابعين لمشغليهم الأجانب والساهرين على تمرير وتنفيذ خططهم.

كثيرا ما يتم القفز عن الأسباب التي أدت إلى توقف المشروع المغاربي والتركيز على الصراع المغربي الجزائري وكأن باقي الأنظمة ومعها الشعوب لا دور لها إلا الانتظار ! في الحقيقة هناك غياب ملحوظ لما يمكن أن نسميه الوعي المغاربي لدى النخب والجماهير، لأن الوعي بالمصالح المشتركة والسعي لتحقيقه يتجسد في الضغط الجماهيري على الأنظمة للاستجابة لمطلب حيوي كمطلب فتح الحدود مثلا، بل الغريب أن القوى السياسية نفسها المفروض فيها توعية وتأطير الجماهير لا تخرج عن التوجهات العامة للأنظمة ! فباستثناء بعض التظاهرات الأكاديمية نكاد لا نسمع أي حديث عن الوحدة المغاربية، ووسائل الإعلام بدورها تعزف على نفس نغمة حكومات بلدانها للأسف.

إن مسؤولية القوى الديمقراطية والتقدمية في البلدان المغاربية بحكم وعيها بأهمية الوحدة ورصيدها النضالي من أجل تحقيقها، مطالبة أولا وقبل كل شيء بتعميق الحوار فيما بينها وتأسيس إطار للتشاور والتنسيق المنتظم لاتخاذ مواقف مشتركة من القضايا المطروحة على الصعيدين العربي والمغاربي، والمبادرة بعقد لقاءات وندوات حول موضوع الاتحاد المغاربي داخل كل بلد كلما سمحت الظروف بذلك، والقيام بأبحاث ودراسات لإبراز وتأكيد أهمية المشروع المغاربي لدى الرأي العام، ولما لا تأسيس وتطوير إعلام مغاربي. فلا يعقل أن يتتبع سكان المنطقة المغاربية أخبار وتحاليل عما يجري في بلدانهم في قنوات فضائية أجنبية. طبعا كل هذا يتطلب فرض وترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في كل بلدان المنطقة. وتعميق النضال الديمقراطي ببعديه المؤسساتي والجماهيري، ولا ينبغي أن ينفصل ذلك عن تعميق النضال الوحدوي الذي لا زال غائبا عن اهتمامات القوى الديمقراطية والتقدمية في البلدان الخمس.

إن الأولويات الإستراتيجية لنضال أحزابنا في المرحلة الراهنة في رأينا لا تخرج عن المحاور التالية:

تحقيق وترسيخ الديمقراطية داخل البلدان المغاربية في ارتباط بالأمن بمعناه الشامل.

بناء شراكة إستراتيجية بين أقطار المنطقة في أفق اندماج اقتصادي بواقعية وتدرج.

التوظيف الخلاق لعلاقات دول المنطقة بإفريقيا كمجال حيوي للتجارة والاستثمار والتعاون وكبديل مستقبلي عن التبعية العمياء للاتحاد الأوروبي.

* خاتمة:

حاولنا في هذه الورقة تقديم معاينة لواقع اقتصاد المنطقة المغاربية دون الدخول في التفاصيل المرتبطة بخصوصية اقتصاد كل بلد على حدة، وذلك من أجل التقدير الموضوعي لكلفة الفرص المهدورة لتوقف المشروع المغاربي في مرحلة انطلاقه منذ حوالي ربع قرن. وبالرغم من ثقل الأسباب السياسية والحسابات الضيقة التي أدت إلى توقف مشروع إستراتيجي من حجم الإتحاد المغاربي الذي يهم مصير حوالي 100 مليون نسمة، فقد لاحظنا تقصير القوى الديمقراطية والتقدمية المفروض فيها حمل مشعل الوحدة المغاربية وتوعية شعوبها بها، واقترحنا بناء على ذلك أن تتحمل هذه القوى مسؤوليتها وتبادر إلى توعية النخب والجماهير المغاربية بأهمية المشروع المغاربي وضرورته الحتمية حتى تتمكن شعوب المنطقة من كسر الحلقة المفرغة للتخلف وتدارك التأخر التاريخي وردم الهوة التي أصبحت تفصل بلداننا ليس فقط عن البلدان المتقدمة، بل حتى عن البلدان التي كانت تعيش أوضاعا مماثلة لبلدان المغرب العربي في منتصف القرن الماضي.