الرئيسية / أخبار جمعوية / جائزة الأركانة العالمية للشعر تؤول للشاعر الإيطالي جوسيبي كونتي

جائزة الأركانة العالمية للشعر تؤول للشاعر الإيطالي جوسيبي كونتي

احتضنت المكتبة الوطنية بالرباط الحفل الذي تعود على تنظيمه بيت الشعر بلمغرب لتسليم جائزة(الأركانة) والتي آلت في  دورتها الأخيرة إلى الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي (مواليد 1945 ببورت موريس)، وجاء في كلمة الأمين العام لجائزة الأركانة العالمية للشعر حسن نجمي بأن الشاعر الذي تحتفي به (الأركانة) “شفيف النظرة، عميق العبارة، حليف للكلمة المضيئة، صديق للحياة”، وتابع: “هو من أبرز شعراء الفضاء المتوسطي، وابن شرعي للشعرية الإيطالية الحديثة والمعاصرة، وهي شعرية تتكلم لغة من أجمل لغات العالم، ومن أكثرها موسيقية، هي بِكرُ اللغة اللاتينية”.

وأضاف نجمي أن المتوَّج “صديق غربي حر للثقافة العربية، للشرق الحضاري والإنساني، وأحد المثقفين المعاصرين بأوروبا الذين عملوا على تجسير العلاقة بالثقافة والأدب المغربيين، وله صداقة متينة مع أدونيس، وشعراء كبار في المغرب والعالم العربي (…) ويعتبر اللغة العربية، والحضارة العربية الإسلامية، من مرجعيات كتابته ومتخيَّله (…) وتجربته الشعرية مدافعة عن الحق في الحياة (…) تنتصر لكلمات الشرف والكرامة والدفاع عن التربة والأرض والحرية، والوطن ترابا وإنسانا وتراثا وأساطير وذاكرة وتاريخا”.

وفي كلمة رئيس بيت الشعر بالمغرب مراد القادري قال بأن الجائزة التي تحمل اسم “الأركانة” “رمز للصداقة الشعرية، تصل شعراء بلدنا المغرب بباقي شعراء العالم”، وتنتصر “للشعر في وقت يقف إلى جانب القيم النبيلة؛ قيم الجمال والمحبة والسلام الذي ما أحوج عالمنا إليه”.

وذكر رئيس بيت الشعر أن جوسيبي كونتي لفت شعره الأنظار منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، ورافقت منجزه الشعري والروائي “احتفاءات أدبية رفيعة”، توّجت إبداعه الذي يستلهم الأساطير والثقافات الأولى في عالم جديد، ويستلهم من العالم العربي والتراث الصوفي الإشارة والترميز، وتحضر فيه ظلال الأشجار وأصوات الأنهار.

وتناولت  الكلمة وفاء نعيمي إدريسي مديرة مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، وهي الجهة الداعمة للجائزة مشيرة لدورها في مجال الدبلوماسية الثقافية  وتعزيز مكانة المغرب الثقافة والإنسانية، وهي تنشد قيم التسامح والإخاء والتعايش، وهنأت الشاعر الكبير، على مساره الإبداعي الطويل، ليمنح الإنسانية قصيدة عميقة ممتعة وقادرة على أن تساعدنا على فهم الحياة والعالم، وتعيننا على التواصل مع الذات والآخر.

وأوضح رئيس لجنة التحكيم، الشاعر الإيطالي سيموني سيبيليو، أن استحقاق كونتي للجائزة يرجع إلى الحوار الثقافي واللغوي الذي تصوغه قصيدته في بناء تركيبها ودلالاتها، ولما يكشف عنه هذا الحوار من بعد إنساني مضيء، وإلى رؤيته الفكرية والفنية التي تتداخل فيها ثقافات الشرق والغرب. منوها باسم لجنة التحكيم بجماليات الكتابة لدى الشاعر الإيطالي، وبالمساحات التخييلية التي تخلقها نصوصه.

وفيما يلي لمحة حول مسار الشاعر جوزيبي كونتي الفائز بجائزة (الأركانة):

انجذب اهتمامه في بداياته للجغرافية والموسيقى وعلم الفلك والأوبرا والترجمة. وتأثر إلى جانب أسلافه الإيطاليين بالأميركي هنري ميلر والفرنسيين بودلير ومالارميه والإيرلندي لورنس ستيرن. أسهم في تحديث القصيدة الإيطالية عبر مقترحات جمالية وموضوعاتية في الكتابة، وعبر الإشراف على تظاهرات ثقافية تجمع الشعر بموسيقى البلوز وألوان فنية أخرى وتنتصر لحضور الأسطورة والغنائية. كما ترجم إلى الإيطالية العديد من التجارب الشعرية العالمية مثل وايتمان وطاغور وخيلمان ونيرودا وأدونيس وجاك بريفير وغيرهم.

راكم كونتي تجربة مهمة في الكتابة ترجمتها أعماله الشعرية المتعاقبة: “المواسم” (1978)، “أبريل الأبيض الأخير” (1979)، “المحيط والطفل” (1979)، “الشاعر والرسول” (1992)، و”حكايات الشرق والغرب” (1997)، و”رسالة إلى اليائسين من الربيع” (2002)، ونصوصه السردية “الربيع المشتعل” (1980)، و”أيام الليل” (1990)، “والضابط الثالث” (2007) و”المومس” (2008)، ودراسته “أراضي الأسطورة” (1994)، و”الرجل الذي أراد قتل شيلي”. (2008) و”الشر جاء من البحر” (2013)، و”بلا قلب” (2019) وغيرها.

نهل جوزيبي من الموروث الثقافي العربي، باحثاً عن آفاق روحية مختلفة، خصوصاً بعد سطوة الحياة المادية في أوروبا. وتقاطع بشكل لافت مع الثقافة الصوفية في العالم العربي والإسلامي، إلى حد أنه اختار الاسم المستعار “يوسف عبد النور” ليصدر به “أغاني الشرق”.

في مختاراته الشعرية الصادرة عام 2019 بعنوان “لن أتوقف عن الكتابة عن البحر” يخاطب هذا العنصر الطبيعي ويناجيه، مؤكداً أن الكتابة عنه هي قدر لا نهائي. غير أن القارئ يكتشف أن البحر هو أمّ الشاعر، وأن النص هو بمثابة تلويحة وداع لها. ثم يعود الشاعر بعد ذلك ليخاطب البحر بشكل صريح، ومن دون استعارة، ويسأله عن سبب هوسه بالكتابة عنه. يصف مشهد الجلوس أمامه، وهو يحمل مذكرة للكتابة وأمامه طاولة صغيرة لشرب القهوة، كما لو أنه صديق قديم غير موثوق به. ثم يتحسس ضآلته أمام ضخامة هذا الكائن المائي الذي “يعكس صراع الغيوم مع الشمس”. لكنه يحس بأن عنصراً مشتركاً يجمعهما هو الوحدة. إنه يسأل البحر عن آلام الأمس وآلام الحاضر، ثم حين يعجز عن الجواب يخاطبه: “لا أعرف سوى مراقبة/ وحدتك الخريفية/ والكتابة الدائمة عنك”.

وفي نص “صلاة الغريق المجهول” يحضر البحر لا باعتباره عنصراً جمالياً، بل فضاءً للمأساة. ففي هذا النص يرصد ظاهرة الهجرة السرية للأفارقة نحو أوروبا، فيوجه نداءً للبحر ويطلب منه أن يعيد إلى الحياة كل الغرقى الذين سقطوا ضحية أحلام لم تتحقق. “نادِهم بأسمائهم أيها البحر/ نادهم، نعم، أنت، كل الغرقى الواقعين في أعماقك/ هؤلاء لم يكونوا بحارة/ هؤلاء لم يكونوا جنوداً/ كانوا رجالاً فقراء/ جاؤوا من وراء الصحراء/ فرّوا من الأراضي المحروقة/ والحرب والجوع والعطش”. يواصل الشاعر نداءه للبحر، ويطلب منه ألا يحرمهم من حقهم في الحياة: “أعد إليهم أيها البحر/ وجوههم وجباههم/ وعيونهم التي التهمها السمك”. في نص آخر من المختارات يتعاطف الشاعر مع الطبيب والمرضى، مع الأطفال والعجزة، مع الوحيدين والحالمين، ثم يتساءل: “من يشفق على أمّنا الأرض/ في هذا الربيع المهجور؟”.

يؤمن كونتي بأهمية التسامح والتعايش، والتفاعل الخلاق مع الآخر واحترام ثقافته وخصوصياته المرتبطة بالهوية والحضارة، معتبراً أن “ثقافة الإلغاء هي إلغاء للثقافة”. كما يرى أن الخلاص يكمن في العودة إلى البراءة الإنسانية والتخلص من أعباء الحياة المادية وثقافة الاستهلاك. لذلك اعتبر الشعر “شكلاً من أشكال المقاومة الروحية”. إن إلغاء الارتباط مع السماء والطبيعة هو بالنسبة إليه مغامرة لا للفرد فحسب، بل للمجتمع برمته. لذلك ظل يتأسف على أوروبا التي فقدت روحها. فقوة الجسد/ المادة، بالنسبة إليه، غير كافية في غياب قوة الروح. يؤمن كونتي بوظيفة الأدب في غمرة سطوة الحياة المادية، ويختصر موقفه في جملة وامضة، لكن عميقة وحاسمة: “إذا مات الأدب سوف تنتهي الحضارة”.