الرئيسية / أخر المستجدات / عطب أخلاقي وثقافي

عطب أخلاقي وثقافي

د كاظم تاموسوي

د. كاظم الموسوي (العراق)

تصلني عبر الواتس اب كوسيلة من وسائل التواصل/الانفصال الاجتماعي، رسائل كثيرة، مباشرة على الخاص أو ضمن المجموعات الكثيرة التي شاركتني دون مشاورتي أو مشاركتي. وفي كل الأحوال تظل هذه الحالة جزءا من التواصل والتبادل في المعلومات والأخبار بحدهما الأدنى.

بالتأكيد هناك كثير من البريد المرسل والموزع والذي يصلني فيه نافع ومفيد، للمعرفة العامة الشحيحة ولفضول الاطلاع في أفضله، ولكن هناك الكثير .. الكثير فيه من الغث الذي انزعج من ضياع الوقت في حذفه بعد أول مشاهدة، من الأسطر الأولى أو الصورة الأولى، فكيف إذا تكرر إرساله من عديد الأصدقاء الذين يعرفون أنهم في سلسلة متصلة، وأنهم يكررون الإرسال حبا أو إزعاجا، تعبيرا عن سوء نية أو بلادة أو تخلفا إلكترونيا وجهلا في أهمية ما يرسلون وينامون عنها ملء جفونهم وكأنها انتصارات حرب. ولا يسأل بعضهم أن المرسل له أولا وهو صديق مشترك سيرسلها لي أيضا، والأزعج أن يعيد الإرسال مرة أخرى، لتكون المادة الواحدة قد وصلت أكثر من مرة أو مرات عديدة. رغم أن الواتس قلص السماح لعدد الإرسال إلى خمسة مشتركين، وهذا يكشف ويزيد في التكرار والغفلة أو القصد والإغاضة، إذا كانت النيات صادقة أو نزيهة. وللأسف يتصور البعض أنه ينشط على الواتس أو غيره من وسائل التواصل، أو يحسبها علاقات عامة وينسى أن التكرار المتواصل والمستمر والمدور أمر مزعج ولا يحقق له رغبته في مهمته هذه، على الأقل عند المتابعين الجادين والمهتمين فعلا بالعلاقات والمتابعة.

هذا جانب مكروه ومزعج وغث لا إنكار فيه. والأكثر إزعاجا وكرها ولؤما وخبثا وسوء نية يكمن في تزييف أمور وانتحال نصوص كتابة أو صياغة ووضع أسماء أخرى، هي المقصودة بالإساءة لها أو الخبث عليها أو التشويه بها، وهي أيضا في كل الأحوال أعمال مشبوهة ومقصودة، تقوم بها أجهزة أمنية واستخبارية وفروع لها وفعاليات ونشاطات تؤديها بوظيفتها ومهماتها وأهدافها. وهناك من يختصر كل ذلك ويتبرع بهمة وفعالية.

قبل فترة ليست قريبة نشر باسمي نص في مواقع إلكترونية فيه هجوم وشتائم بذيئة على رئيس دولة، لم يكن بيني وبينه ما يستدعي ذلك أولا، وليس من أسلوبي وأخلاقي التوجه بتلك المفردات ثانيا. وللأسف أن ناشره يزعم باسمي ما يكنه أو يعبر عنه دون حرج ولكن بجبن ونذالة ابن الشارع المجرد من الأخلاق والأعراف وحسن النيات. وفي الوقت نفسه ألح صديق علي أن أكذّب المنشور وأرد عليه كتابة وأرسله للنشر في المواقع التي نشر فيها، واستغربت ذلك في حينه، لأن الأمر أكثر من واضح لكل من يعرفه.. وأصبحت أشك في شخص يدعي صداقة أو يستغل علاقة بعيدة بي. لأن ما ورد في النص قريب منه، أسلوبا وممارسة وقد يكون لديه مآرب في ما هدف من النص، فكرة ورسالة. وهو متخادم بلا حدود مع أجهزة تلك البلاد، وبعد معرفة به كشفوا أنه مرسل لهم من أجهزة أخرى ومشتركة بأجهزة ثالثة، فساقوه إلى السجن زمنا، ولا أعرف كيف أطلقوا سراحه وأرسلوه إلى بلد أوروبي. أعطاني هذا العمل الدنيء عبرة وصورة لمعاناة ما أقرأ بين فترة وأخرى لرسائل منتحلة مماثلة، ينشر فيها كاتبها، ذو النفس المريضة، والأخلاق السيئة والصفات التي لا تسر حتى المتهم بها أو الموصوف كرها أو حقدا ما يبتغيه ويرغب به من نشر سموم وأكاذيب ملفقة وفاضحة لمحتواه وإنائه. وأضحك متسائلا ما الذي يدفع أمثال هؤلاء إلى اقتراف مثل هذه الجرائم المنكرة؟ والتي تفتح شهية التخيلات والاتهامات والشكوك والفتنة بين الأطراف أو الاتجاهات المشتركة، إذا لم تكن وظيفتهم أو توظيفهم مقصودا ومرسوما لهم سلفا.

بعد التطورات التقنية في البرمجيات وتوافر إمكانات التلاعب في ترتيبها أو التصرف والتدخلات في تركيبها وتشكيلها، كما هو حاصل في برنامج الفوتوشوب، أو الفرص والإمكانات التي تعرضها بعض الأجهزة الإلكترونية أصبح من السهل التفنن في صناعة التضليل والتزييف والخداع في النشر والتوزيع والإرسال، ما وفر مجالات لما أطلق عليها، الجريمة الإلكترونية، ووضع قوانين وإجراءات وعقوبات لوقفها ومنع استغلالها واستخدامها في الابتزاز والانتهاك للخصوصية وحقوق الإنسان. ورغم كل هذا لم تتوقف مثل هكذا أعمال مخلة ومضرة، بل إن هناك من صنع ما يسمى بالذباب الإلكتروني والجيوش الإعلامية الإلكترونية وأضرابها. وهي كلها تفسر النعمة في هذه الوسائل والنقمة في إساءة استخدامها، والاستهتار في مجالات خدمتها والانتهاكات والارتكابات للحقوق العامة والاستفادة الفردية والجماعية منها.

معلوم للجميع أن هذه الأعمال والتطورات التقنية سيف ذو حدين، فكل طرف من أي جهة يستطيع القيام بالمثل، أو المواجهة بنفس الأدوات، وهذا يستند إلى القابليات الفنية والتوجهات والتوجيهات وأساليب الاستخدام والاستهداف منها، وتشغل المشترك والقارئ غير المرتبط بخططها أو أهدافها، وهنا تقع المسؤولية ويبرز مدى الوعي والإدراك لها، لخطرها أو العطب الأخلاقي والثقافي فيها أو خلالها.

ليس صعبا أن تمارس ما ترغب أو تقدم ما في داخلك وليس عصيا أن تستفيد من الثورات التقنية ووسائلها والمهم أن تستثمرها في خدمة الإنسان والمجتمع والبناء السليم لحاضر ومستقبل مشرق للجميع. ولعل الإشارة التي ابتدأت المقال فيها تقدم درسا وتعتبر جرس إنذار ينبه لما في هذه الوسائل من صالح عام ونفع مشترك يمكن أن يتقدم ويتطور ويدفع إلى الأمام، بالعكس مما أشير له من حالات وأمراض خبيثة مزعجة بكل حال، لا سيما صناعات البرامج والمواقع والمنتديات والمدونات والمنصات الوهمية التي لا حقيقة لفعاليتها أو نشاطاتها، خصوصا المشبوهة منها أمنيا وسياسيا وفكريا. إذ إن هذه الثورات التقنية المتصاعدة والمدهشة يجب أن يتطور الوعي بها ومعها إلى ما يخدم ويفتح الآفاق للجميع.

اترك تعليقاً