الرئيسية / أخر المستجدات / من أجلِ رؤيةٍ موضوعيّةٍ للتحوّلاتِ الاستراتيجيّةِ في المنظومة الدوليّة
العالم

من أجلِ رؤيةٍ موضوعيّةٍ للتحوّلاتِ الاستراتيجيّةِ في المنظومة الدوليّة

د علي بوطوالة/

يومي 29 و30 يونيو/حزيران الماضي، اجتمع قادةُ الحلف الأطلسي بإسبانيا للاتّفاق على استراتيجيّةٍ جديدةٍ لخوض صراعٍ طويل الأمد، وعلى جبهاتٍ عدّة مع روسيا والصين، لكون شراكتهما أصبحت تمثّل تهديدًا غيرَ مسبوقٍ لاستمرار الأحاديّة القطبيّة وهيمنة الغرب على العالم، على عكس الحرب الباردة السابقة بين المعسكرين؛ الاشتراكي والرأسمالي التي كان محورها الرئيس يتمثّلُ في الصراع الإيديولوجي. يبدو أنّ الحرب الباردةَ الجديدةَ التي دشّنها الناتو بميزانيّةٍ ضخمة تصل إلى 600 مليار دولار، ويجري تنفيذها على مدى عشر سنوات، ستتمحور حول المصالح الاقتصاديّة والمواقع الجيواستراتيجيّة والتكنولوجيّة الرقميّة بين التحالف الغربي بقيادة الإمبرياليّة الأمريكيّة والمحور الأوراسي الذي لم يرتقِ بعد إلى تحالفٍ عسكريٍّ مثل الناتو.

التطوّرات والتفاعلات السريعة التي ترتّبت على “العمليّة العسكريّة الخاصّة” لروسيا في أوكرانيا لا تمثّل في الحقيقة إلا انفجارًا للاحتقان المتراكم منذ سنواتٍ بين الطرفين بعد انهيار الاتّحاد السوفياتيّ ونهاية الثنائيّة القطبيّة، خاصّةً بعدما تأكّدت كلٌّ من روسيا والصين من نهج الغرب لسياسةٍ عدوانيّةٍ تجاههما من خلال أحداث ووقائع ملموسة.

1- نهاية الأحادية القطبية ومرحلة انتقالية غامضة الآفاق

منذ انفجار الأزمة المالية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2008، وانتقالها للاقتصاد الأوروبي بعد تحولها إلى أزمة اقتصادية شاملة، برزت مؤشرات الاحتضار البطيء للأحادية القطبية، ولم تنجح سياسات واجراءات دعم البنوك والمؤسسات الإنتاجية سوى في التخفيف من التداعيات الكارثية للأزمة، وأثرت هذه التداعيات خاصة على الاقتصادات الهشة لبلدان الجنوب، ومنها البلدان العربية التي عانت وما تزال تعاني من مآسي وكوارث ما سمي بالربيع العربي.

إذا كان المجال لا يسمح بالتذكير بدور الدول الإمبريالية الغربية في تعميق أزمات المنطقة العربية، فلا يمكن القفز عن مسؤولية هذه الدول ذات الماضي الاستعماري الأسود عما لحق بالعراق وبسوريا وب ليبيا من تدمير وقتل وتخريب ونهب، وقد جرى ذلك بتوازي مع توسع الحلف الأطلسي شرق أوروبا رغم العهود والوعود التي قدمها الغرب لروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي (اتفاق بودابست بشأن الضمانات الأمنية لسنة 1994). هكذا جرى تغيير الأنظمة السياسية في دول شرق أوروبا عبر “الثورات الملونة” التي أطرتها ومولتها المخابرات الغربية وإقامة أنظمة موالية للغرب تمّ دمجها أولا في الاتحاد الأوروبي، ثم في حلف الناتو. وبقيت أوكرانيا على الحياد قبل إسقاط نظامها بدوره سنة 2014 عبر ما سمي بالثورة البرتقالية، وبسبب توجهات النظام الجديد الذي أعلن عداءه الصريح لروسيا، وانتهك حقوق الأوكرانيين من أصل روسي بشكل سافر في شرق أوكرانيا (إقليم الدونباس) من خلال عدة إجراءات وقوانين عنصرية، مما دفع بساكنة المنطقة للتمرد والتعبير عن رغبتها في الانفصال، فاندلعت حرب بين المجموعات الانفصالية من جهة والجيش الأوكراني من جهة ثانية، انتهت بعقد اتفاقيتي مينسك الأولى التي لم تطبق، واتفاقية مينسك الثانية بمشاركة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، استغلها نظام كييف للاستعداد لخوض حرب جديدة مدعوما من الإدارة الأمريكية وباقي البلدان الغربية، لكن وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية برؤية جديدة للعلاقات الدولية ولدور أمريكا بالذات، سيجمد الأزمة الأوكرانية مؤقتا، ويخلق ارتباكا لدى الدول الأوروبية.

من خلال ما تقدم ودون استعادة تفاصيل ما جرى، ينبغي التذكير بالتحول البارز في الاستراتيجية الروسية سواء بضم جزيرة القرم سنة 2014، أو من خلال التدخل العسكري الحاسم في سوريا بناء على طلب قيادتها سنة 2015، والذي بفضله إضافة لدعم إيران، تمكن الجيش العربي السوري من إلحاق الهزيمة بداعش وبالمشروع التكفيري المدعوم غربيا وخليجيا. الرد الغربي تمثل بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو، مما دفع هذه الأخيرة لحظر استيراد المنتوجات الزراعية الأوروبية وتغيير توجهها نحو الشرق بتطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الصين وبلدان جنوب وشرق آسيا، والتحاقها بمنظمة الدول المصدرة للبترول للمساهمة في ضبط سعره في الأسواق الدولية.

إدارة ترامب، بالرغم من توجهها النيوليبرالي المتوحش تجنبت تصعيد الصراع مع روسيا على العكس مع إيران والصين، أما منطقة الخليج فقد استغل أنظمتها أبشع استغلال وانتزع منها الموافقة على صفقة القرن المشؤومة في محاولة لإنهاء القضية الفلسطينية.

2- عودة الحرب الباردة مجددا

بعد حوالي ثلاثة عقود من نهاية الثنائية القطبية، أدت ديناميكية العولمة الليبرالية، وانشغال القطب الإمبريالي الأمريكي بحروبه الخاسرة والمكلفة في إطار بسط سيطرته المباشرة على العراق وأفغانستان حيث واجهته مقاومة ضارية لشعبي البلدين، برزت الصين بفضل نسبة نمو مرتفعة على مدى أربعة عقود، كقوة اقتصادية وتكنولوجية عظمى صاعدة، وتمكنت روسيا من العودة القوية للساحة الدولية بعد إعادة بناء اقتصادها وتحديث ترسانتها النووية وقوتها الصاروخية بشكل مذهل خلال عقد ونصف فقط، أما الاتحاد الأوروبي كقطب ثالث، فقد أصبحت تنخره الخلافات والتناقضات، وأضعفه انسحاب بريطانيا، وأربكته سياسة ترامب الدولية. إضافة لهذه الأقطاب الثلاث برزت قوى إقليمية مؤثرة في محيطها الجهوي مثل الهند والبرازيل وإيران و تركيا وجنوب أفريقيا.

المشهد الدولي إذن في نهاية العقد الثاني من هذا القرن أصبح مطبوعا بالتنافس الحاد والتوتر وصراع الإرادات، ولم يعد بإمكان القطب الإمبريالي الأمريكي التصرف على هواه كما كان الأمر سابقا، وفي إفريقيا انطلق السباق أيضا بين المحورين الغربي والأوراسي على المواقع والأسواق في السنوات الأخيرة من خلال تقديم مساعدات عسكرية وطبية وعقد اتفاقات تعاون، وإبرام صفقات تجارية، مع عدة دول، وقد تمكنت كل من الصين وروسيا من تحقيق اختراقات مهمة وإزاحة الدول الغربية من عدة مناطق غنية واستراتيجية، كانت تسيطر عليها لعقود. هذه التطورات إضافة لفشل إدارة ترامب البين في تدبير جائحة كورونا، وتعميق سياسته الداخلية للأزمة الاجتماعية، ساهمت في عودة الحزب الديمقراطي للسلطة ووصول جو بايدن إلى رئاسة أكبر قوة عظمى في العالم. هذا الأخير سيستأنف تنفيذ مخططات حزبه التي تعتبر روسيا تهديدا مباشرا، والصين أكبر تحد استراتيجي للغرب. من مؤشرات هذا التوجه، تعيينه للسفير الأمريكي السابق في موسكو بين 2005 و2008 “وليام بورنwilliam Burns” الذي يعتبر خبيرا في الشؤون الروسية، مديرا للوكالة المركزية للمخابرات الامريكية ورصد ميزانية ضخمة وغير مسبوقة لأجهزة المخابرات الخارجية. في أول تصريح لمدير CIA أمام مجلس الشيوخ الأمريكي حول الوضع الدولي، قال “إن المشهد العالمي معقد وتنافسي أكثر فأكثر، هناك المخاطر المعتادة كالإرهاب وانتشار الأسلحة النووية، وهناك روسيا وإيران المعاديتين، وهناك كوريا الشمالية المستفزة، وهو عالم يحمل تحديات جديدة كالتغيرات المناخية والتهديدات السيبرانية، خاصة من طرف قيادة صينية معادية” (ملف مجلة لوبوان لشهر يوليو 2022). هذا التصريح وأيضا تقرير نفس الوكالة لسنة 2022 يكشفان أولويات الاستراتيجية الأمريكية للسنوات القادمة، علما أن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية كانت وما زالت تتمثل في التحكم في أسواق السلاح والطاقة والتكنولوجيا والمواد الأولية، وإحكام هيمنتها على أوروبا ومنعها من التحول إلى قوة سياسية وعسكرية منافسة، ومواصلة نهب ثروات بلدان المعمور عن طريق إدامة الدولار كعملة عالمية.

معرفة القيادة الروسية بخطط الإدارة الأمريكية، وخبرتها في مجال الاستخبارات، جعلتها تبادر إلى فتح الحوار مع القيادة الصينية والاتفاق معها على توقيع شراكة استراتيجية في أفق العمل المشترك للحد من الهيمنة الغربية على العالم وفرض تعددية قطبية متوازنة تضمن السلام العالمي. في هذا السياق وبعد عشرين يوما من توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية، قرر بوتين الإقدام على خوض “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا لإجبار الغرب على التفاوض حول فرض حيادها، وانتزاع ضمانات أمنية لبلاده. الإدارة الأمريكية التي كانت على علم بقرار القيادة الروسية بدليل تحذيرها المتكرر وقبل شهور من اندلاع الحرب، سارعت فور اندلاعها لحشد حلفائها واتباعها من دول العالم لإدانة وعزل روسيا داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشرعت مع الاتحاد الأوروبي في إطار الحلف الأطلسي لشن هجوم مضاد شامل في جميع المجالات المالية والإعلامية والاقتصادية والرياضية والثقافية والفنية، ناهيك عن إرسال الأسلحة المتطورة والمرتزقة وسلسلة متوالية من أقسى العقوبات الاقتصادية.

لقد مثلت قمة الحلف الأطلسي بإسبانيا أهم منعطف في المواجهة بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، حيث اعتبر الناتو روسيا “عدوا استراتيجيا وتهديدا مباشرا”، كما اعتبر أن الصين “بطموحاتها المعلنة وسياستها تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا”. هكذا أصبح واضحا أن روسيا والصين مستهدفتين لأنهما تشكلان خطرا على “مصالح وأمن وقيم” الغرب، وبالتالي فالمواجهة بين التحالفين الأطلسي و”الأوراسي” تشمل جميع المجالات الاستراتيجية والاقتصادية والتكنلوجية والديبلوماسية والعسكرية والإيدلوجية.

لقد قرر الحلف الأطلسي إذن بتخطيط وتوجيه أمريكي خوض حرب عالمية باردة جديدة، ورصد لها ميزانية ضخمة (600 مليار دولار) على مدى عشر سنوات، كما قرر قبول عضوية السويد وفلندا تأكيدا على تطويقه لروسيا. بالنسبة للصين يمكن إدراج زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة الكونغرس الامريكي لتايوان وإعلان إدارة بايدن عزمها تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الجزيرة وتحريك حاملات الطائرات لمراقبة المناورات العسكرية الصينية في المنطقة، تصعيدا للتوتر واستفزاز مقصودا للصين لاختبار مدى استعدادها للمواجهة. الصين بطبيعة الحال لم تصمت وردت على الاستفزاز الأمريكي دون التخلي عما يسميه البعض “بالغموض الاستراتيجي”، فهي من جهة تلح في إعلامها على احترام القانون الدولي وسيادة الدول وتذكر بمبدأ الصين الواحدة التي يقر به الجميع، ومن جهة أخرى تعارض وتندد بتدخلات الدول الغربية في مختلف مناطق العالم بمبرر حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي التي صادرت حريات وحقوق شعوب بكاملها ونهبت خيراتها وما زالت تكبلها بقيود التبعية. الصين على العكس وبرغم النجاح الباهر لنموذجها التنموي لا تسعى لفرضه، ولا حتى اقتراحه على بلدان الجنوب التي تربطها بها علاقات تعاون قوية، ومع ذلك يعتبر الغرب أن لديها طموحات تهدد مصالحه وقيمه!

3- أية آفاق للصراع، وأي تموقع للبلدان العربية؟

بما أن قمة الحلف الأطلسي الأخيرة بإسبانيا تبنت استراتيجية لخوض حرب باردة جديدة مع روسيا والصين للعشر سنوات القادمة، وبما أن تقرير وكالة المخابرات المركزية لسنة 2022 قدم توقعات متشائمة للعقدين القادمين، وهو للتذكير مجرد تقرير توجيهي وتعبوي لأنه موجه للعموم أما التقارير السرية للوكالة، فلا يكشف عنها إلا بعد مرور عقود، فحرب أوكرانيا لا تمثل سوى حلقة مشتعلة في مواجهة طويلة الأمد ومتعددة الجبهات بين محورين كبيرين لهما تأثير حاسم على مستقبل النظام الدولي. لقد سبق لمجلة الهدف أن خصصت ملفا قيما في عدد شهر نيسان/أبريل الماضي لنفس الموضوع بعنوان “صراع الهيمنة والقوة” تضمن مقالات غنية بالمعطيات والتحاليل الرصينة، لذلك سنقتصر في هذه الفقرة على الإشارة فقط للآفاق المحتملة لهذه الحرب الباردة الجديدة، وتموقع الأقطار العربية وفق هواجسها الأمنية وحاجاتها الضاغطة والهوامش الضيقة المتاحة لها.

أول ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذه الحرب ما زالت في بدايتها، فلا أوكرانيا ولا حتى الاتحاد الأوروبي نفسه يستطيع اتخاذ قرار مستقل بوقفها، لأن الإدارة الأمريكية أصبحت متحكمة أكثر من ذي قبل في الحلف الأطلسي، وما دامت تعتبر هذه الحرب مصيدة لروسيا وفرصة لاستنزاف قدراتها العسكرية والاقتصادية وإلحاق الهزيمة بها في النهاية وتغيير نظامها كما حصل للاتحاد السوفياتي سابقا، فهي تعمل بكل الوسائل على إطالة حرب أوكرانيا لأطول مدة ممكنة ولا يهمها لا عدد الضحايا ولا حجم الخسائر، فهي تراهن على ايجاد بديل للغاز الروسي المصدر لأوروبا على المدى المتوسط، وإعادة بناء الجيش الألماني، والدفع بالمزيد من المرتزقة للأراضي الاوكرانية. في المقابل هدد بوتين بتغيير هدف العملية العسكرية الروسية في حالة تكثيف الحلف الأطلسي لتواجده العسكري بأوكرانيا، بمعنى استعداده لمواجهة مباشرة مع الحلف الأطلسي نفسه وتدمير دولة أوكرانيا، إذا اضطر لذلك.

على ضوء هذه المعطيات، تبرز التساؤلات التالية:

هل ستتمكن روسيا من تحقيق أهدافها والصمود في مواجهة العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضت عليها، علما أن ناتجها الداخلي الخام قد تراجع بنسبة ٤% في نهاية الفصل الثاني لهذه السنة، حسب الإحصائيات الرسمية ويتوقع أن يبلغ ٧% في نهاية السنة؟

الى أي مدى ستتحمل بلدان الاتحاد الأوروبي تكاليف وتداعيات أزمة الطاقة والارتداد السلبي للعقوبات المقررة على روسيا؟

هل ستظل الصين ملتزمة باتفاق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا ومواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها؟

هل ستظهر وساطات جديدة وجدية يمكنها الوصول إلى حلول وسطى مقبولة من الطرفين  روسيا والغرب لتفادي انزلاقهما إلى مواجهة مباشرة وشاملة قد تترتب عنها نتائج كارثية على العالم كله؟

المؤكد أنه مهما كانت نتائج “معركة أوكرانيا”، فالنظام الدولي بعدها لن يكون كما قبلها، والمأمول هو التحول إلى نظام عالمي جديد ومتوازن يضمن حقوق جميع الشعوب في الحرية والتنمية والعيش الكريم.

البلدان العربية، وبحكم صراعها التاريخي مع المراكز الاستعمارية الغربية لا خيار منطقي لها سوى التموقع في الجبهة المعادية للغرب، خاصة وأنه المسؤول عما لحقها من احتلال لأراضيها، وتقتيل للملايين من سكانها، ونهب مستمر لثرواتها، لكن الأمور أكثر تعقيدا مما تبدو، لأن الأنظمة الحاكمة والنخب المتنفذة في هذه البلدان تستمد مقومات وجودها واستمرارها في احتكارها للسلطة والثروة من هذا الغرب نفسه. على الأرجح، إذا توسعت الحرب الباردة الجديدة، ستتموقع الأنظمة الرجعية والمطبعة سريا وعلنيا مع الكيان الصهيوني الاستعماري مع التحالف الغربي الإمبريالي، وفي أحسن الأحوال إذا تمت تصفية الأجواء بين البلدان العربية في ظل عودة محتملة للجامعة العربية، قد تعلن الحياد وعدم الانحياز تمسكا بالحد الأدنى من السيادة الوطنية.

بالنسبة لأطراف محور المقاومة الاختيار واضح، فهي مع من يساند مشروعها القومي التحرري الهادف لتحرير فلسطين واستعادة شعبها المقاوم لحقوقه التاريخية وتحقيق أهداف وانتظارات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية، وهي واعية بأن روسيا الحالية ليست هي الاتحاد السوفياتي السابق، ولكن دورها الدولي واستراتيجيتها تتقاطع مع مصالح شعوب دول الجنوب، وخاصة مع مصالح وتطلعات الشعوب العربية.

خلاصات

بعد مرور حوالي ستة أشهر على بداية حرب أوكرانيا، وتراجع مكانتها حتى في الإعلام الغربي، يتبين أنها مجرد حلقة في مسار حرب عالمية باردة بين المحور الغربي الإمبريالي المدافع عن استمرار أحاديته القطبية، وبين المحور الأوراسي الهادف إلى إنهاء عصر السيطرة الغربية وإرساء قواعد نظام عالمي جديد. مثل الحرب الباردة السابقة ستعرف هذه لحظات صدام عنيف، وفترات هدوء نسبي، والنتائج المحتملة هي:

تراجع نفوذ وتأثير الغرب على العالم وعلى المؤسسات الدولية، مما يفتح المجال مستقبلا لإصلاح هذه المؤسسات ودمقرطتها وفق موازين القوى الجديدة.

تراجع دور الغرب يعني بروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والقوى ويستند إلى نظام اقتصادي جديد لا يحكمه الدولار الذي لن يبقى عملة عالمية.

بروز أقطاب جهوية سينهي عصر المركز والأطراف، ويفتح فرص جديدة لتنمية بلدان الجنوب، وفي هذا السياق ونظرا للبعد الاستراتيجي للمنطقة العربية، بإمكان دولها إنهاء الصراعات بينها وخلق مجموعة جهوية متكاملة ومنسجمة خدمة لشعوبها وحفاظا على سيادتها ومستقبلها.

التنظيمات السياسية والقوى المناضلة عموما بالمنطقة العربية يمكنها داخل أقطارها وعلى المستوى الجهوي تشكيل جبهات اجتماعية وكتل شعبية لتساهم كل من موقعها وحسب امكانياتها في تحقيق المشروع النهضوي العربي.

التحولات المناخية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على الشعوب ستفرض على الدول والمؤسسات الدولية إعطاء الأسبقية والأهمية للبيئة وحمايتها ودعم التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر.