الرئيسية / أخر المستجدات / نموذج تنموي ناجع ومنصف،كيف؟

نموذج تنموي ناجع ومنصف،كيف؟

أقر الملك محمد السادس من جديد في خطاب العرش فشل “النموذج التنموي” المتبع منذ عقود من الزمن، وهذ الفشل كان باديا للعيان منذ سنوات وكثيرا ما كان عرضة للانتقاد من طرف القوى الوطنية الحية ومن قِبل الصحافة حيث تجلت مظاهر الفشل في الاتساع المتزايد لهوة الفوارق الاجتماعية والمجالية وما يترتب عن ذلك من ميز وظلم  طال فئات عريضة من الشعب واختلالات اقتصادية واجتماعية أفرزت عدة إنذارات في شكل احتجاجات شعبية في عدة مناطق من المغرب.

وإذا كانت هناك قناعة بضرورة صياغة نموذج تنموي جديد يتجاوز العوائق ويفتح آفاق التنمية المتوازنة التي تتوزع ثمارها بشكل عادل ومنصف لكل فئات الشعب على امتداد كل التراب الوطني، فإنه لا يمكن الوصول إلى هذه الغاية فقط بتكوين لجنة من ذوي الخبرة والكفاءة لتقديم أفكار أو اقتراحات أو توصيات أو برامج ومشاريع وإنما يتطلب الأمر، في رأينا المتواضع، معالجة العائق الرئيس لنجاح أي نموذج تنموي وهو سياسي في عمقه وتتجلى مظاهره في صناعة “أحزاب” موالية داخل دهاليز الإدارة واختراق الأحزاب النابعة من المجتمع قصد التحكم في قراراتها، والعمل بنظام انتخابي يقطع الطريق على النخب ذات المؤهلات لفائدة أصحاب المال ومن بينهم العديد من الوصوليين والفاسدين، وما يفرزه من خليط هجين في الحكومة وعدم تحمل هذه الأخيرة للمسؤولية الكاملة في وضع وتنفيذ السياسات العمومية، وعدم إعمال النص الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة مما يكرس ظاهرة الإفلات من العقاب، وغير ذلك من العوامل ذات الصبغة السياسية التي أدت إلى إفساد المشهد الحزبي والنفور من العمل السياسي وعدم الثقة في المؤسسات التي يكثر فيها اللغو ويقل إنتاج ما ينفع البلاد والعباد.

ولذلك فقد أصبح من الضروري القطع مع الأساليب المتبعة سابقا لأنها تصطدم مع الباب المغلق ولا طائل من ورائها وبالتالي فإنه لا مناص من إصلاح سياسي ودستوري عميق يقوم على الفصل بين السلط ويحدد مسؤوليات كل سلطة ويتيح محاسبة كل ذي مسؤولية عما يندرج ضمن اختصاصاته وما يصدره من قرارات وما يقوم به من أعمال وإحداث نظام انتخابي كفيل ببناء مؤسسات ديمقراطية تتوفر لها شروط التمثيلية والمصداقية والفعالية والشفافية والنزاهة، والكف عن التحكم في الخريطة السياسية ورفع اليد عن الأحزاب وضمان استقلالية قراراتها ومواقفها وإعادة الاعتبار للعمل السياسي وضمات الحريات الفردية والجماعية والتنافس الشريف مما يتيح المجال للاجتهاد والابتكار والعمل الجاد في خدمة الصالح العام.

ولنا اليقين بأنه إذا كانت السلطتان التشريعية والتنفيذية نابعتان بشكل ديمقراطي من الإرادة الشعبية وتتمتعان بالصلاحيات الكافية وتحظيان بالثقة والمصداقية فإن السياسات العمومية ستتجاوز كل رؤية فئوية أو مجالية ضيقة ولن تبق الثمار متاحة فقط لأقلية قليلة من المغاربة كما هو الوضع حاليا لأنه حينما تسود الإرادة الشعبية في مؤسسات الدولة فلا بد أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات ومتطلبات كل الفئات ومختلف الجهات، وبذلك تنتقل البلاد من مجرد ترديد الكلام حول التنمية والعدالة الاجتماعية.. إلى مرحلة جديدة تأخذ بنموذج تنموي شعبي قوامه الحماس الوطني والمردودية الاقتصادية والاجتماعية ويضمن على أرض الواقع المساواة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات الوطنية، ويضع الأسس الصلبة لمجتمع متضامن، ويفتح آفاق التطور والتقدم.

اترك تعليقاً