الرئيسية / أخر المستجدات / أي مخرج لأزمة التعليم؟

أي مخرج لأزمة التعليم؟

بمناسبة الدخول المدرسي يتجدد النقاش والجدل في بلادنا حول قطاع التربية والتعليم وما يعانيه من هشاشة واختلالات وأعطاب ترجع أساسا للاختيارات اللا شعبية واللا وطنية التي تؤطر المنظومة التعليمية منذ عقود من الزمن فضلا عن الإهمال الذي تعانية المدرسة العمومية وسوء التدبير والتخبط وعدم الاستقرار الذي يعرفه القطاع بصفة عامة مما جعل المستوى التعليمي في تراجع مستمر، وانحدار متزايد، وتدهور مطرد، وانحطاط متواصل، ومما يزيد في تردي الوضع التوجه التخريبي الذي أصبح مكشوفا باستهدافه العلني للغة الرسمية للبلاد باعتبارها وعاء للثقافة الوطنية وتمرده على قيم المجتمع المغربي ومحاولة فصله عن جذوره الثقافية والحضارية وهدمه لمقومات التماسك الوطني والمجتمعي.

وإننا نعتبر أن المشكل في عمقه سياسي يرجع في الأساس لتغييب الإرادة الشعبية في ديمقراطية شكلية لا تستطيع في ظلها المؤسسات التي يُفترض أنها نابعة من صناديق الاقتراع أن تتجاوب مع إرادة الناخبين ولا قدرة لها على الاستجابة لرغبات القواعد العريضة من الساكنة لأن السلطة الفعلية والجهات المقررة توجد خارج المؤسسات المعنية بالعمليات الانتخابية.

وأيا كانت الأسباب والعوامل لما آل إليه قطاع التربية والتعليم من هزالة وضعف وانتكاس وتأزم فلا أظن أن هناك من يستطيع أن يقول اليوم بأن الوضع التعليمي في بلادنا عادي حيث يُلاحظ أن الجميع أصبح يضج ويستاء ويستنكر من هذا الوضع المتردي ويقول بضرورة التغيير والتصحيح، غير أن الآفاق تبقى غامضة في غياب رؤية واضحة واستراتيجية محددة الأهداف والوسائل وخطة متكاملة ومتفق عليها.

وإذا كان هناك إجماع على ضرورة الإصلاح فلا يمكن أن ننسى بأن الحكومات المتعاقبة كانت تتحدث عن مشاريع إصلاحية غير أنها في مجملها ظلت مجرد عمليات ترقيعية ولم ترق للإصلاح بمفهومه الإيجابي والشامل الذي لا يكتفي بتهدئة بعض أعراض المرض وإنما ينفذ إلى أسبابه العميقة ويستأصله من جذوره الدفينة.

 وأود هنا أن أعود إلى بعض المقولات والأفكار التي أرى ضرورة أخذها بعين الاعتبار في أي إصلاح حقيقي وبنَّاء، وقد سبق أن أوردتها أو عبرت عنها في موقعي وفي عدة منابر أخرى وعَبَّرَ عنها آخرون كذلك بصيغ مختلفة ومضامين متقاربة تمس جوهر أي إصلاح يمكن اعتماده للخروج من الوضع المتأزم الراهن، وفيما يلي بعض تلك المقولات والأفكار:

(1)

إذا كان حق التعليم لا يتمتع به كل طفل في سن التمدرس فهذا يعني أن مرض الأمية والجهل سيظل جاثما على المجتمع بكل تداعياته الخطيرة إلى نهاية القرن الواحد والعشرين، وكل تأخر في تفعيل مبدأ تعميم وإلزامية التعليم سيؤدي إلى الإبقاء على المرض إلى مسافة زمنية أبعد.

(2)

كل دولة لا تجعل التربية والتعليم في صدارة أولوياتها فهي تسير نحو التخلف والانهيار، وكل بلد يهمل أو يهمش لغته أو لغاته الوطنية ولا يحمي مقومات هُويته ووجوده يسير باختياره نحو الاندثار، وكل أمة تخلف موعدها مع التاريخ تكون في أسوأ مسار.

(3)

إذا كان التعليم منقسما بين مدرسة أجنبية لأبناء وبنات “المحظوظين” ومدرسة خاصة للفئات المتوسطة ومدرسة عمومية للطبقات الشعبية، فإن هذا يعني غياب تكافؤ الفرص وترسيخ الميز والتفاوت وتغذية عوامل التفكك في المجتمع.

(4)

إذا لم يكن للتعليم إلى جانب إعطاء المعرفة في مجالات مختلفة دورا تربويا يهذب السلوك لدى الأجيال وينمي عندهم مقومات الهوية الوطنية ويغذيهم بقيم المواطنة البناءة ويمنحهم التكوين الملائم لمتطلبات التطور ويؤهلهم للاندماج في حركية الاقتصاد ودينامية التنمية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في غياب أو ضعف أو اضطراب في هذه الأدوار التي يُفترض أن تضطلع بها المدرسة الوطنية فإنه من الطبيعي أن يُنتج التعليم الهشاشة والعطالة والتخلف.

(5)

إذا أصبح الجهلة والفاسدون من ذوي النفوذ في السياسة وفي توجيه الرأي العام في أي بلد فإنه من الطبيعي أن يسير نحو الانحطاط والتخلف، وتزداد الخطورة إذا كانوا من عملاء وخدام الاستعمار الجديد الذي يستهدف المقومات التي ينبني عليها المجتمع كالدين واللغة والثقافة والقيم.

(6)

لا توجد أمة نهضت وارتقت وتقدمت دون أن تكون لها رؤية واضحة في مجال التربية والتعليم ودون استراتيجية بعيدة المدى في تكوين وإعداد الإنسان، ودون أن يكون تعليمها معمما ومتاحا للجميع في مؤسساته، ووطنيا في لغته وروحه، ونافعا في مناهجه ومضمونه، ومجديا في أهدافه وغاياته، وملائما لسوق الشغل وأسباب التنمية في فروعه وتخصصاته، ومنفتحا على العالم في آفاقه واستشرافاته..

***

وإذ أعيد التذكير بهذه المقولات والأفكار المتواضعة فإنني أحاول، فيما هو متاح لي، المساهمة الإيجابية في وضع تصور لبناء منظومة تعليمية صالحة تُنقذ الأجيال الصاعدة من اليأس والضياع وتضع البلاد على سكة التنمية الشاملة والمتوازنة التي يجني ثمارها الجميع، وتفتح أمام وطننا الغالي آفاق التطور والتقدم والازدهار.

اترك تعليقاً