الرئيسية / أخر المستجدات / التطبيع وتطورأشكاله ووسائل التصدي له
ضد التطبيع

التطبيع وتطورأشكاله ووسائل التصدي له

(نص مداخلتي في المنتدى العربي الافتراضي لمناهضة التطبيع)

التطبيع في اللغة مشتق من كلمة طبيعي، وتطبيع العلاقة مع الشيء يعني جعلها طبيعية وعادية ومقبولة، وكلمة التطبيع أصبحت مصطلحا في اللغة العربية يعني قبول الاحتلال الغاشم لأرض فلسطين والتسليم باغتصاب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والتغاضي في المقابل عما ارتكبه وما زال يرتكبه الاحتلال من جرائم بشعة وفصل عنصري وتقتيل جماعي في حق الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم وتدمير المدن والقرى العربية لبناء المستوطنات وتدنيس المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية وتهويد المعالم التاريخية العربية، كما يعني التطبيع الخضوع والاستسلام للهيمنة الصهيونية في المنطقة العربية.

وإذا كان الكيان الصهيوني العنصري يجند عملاءه ويسعى بكل الوسائل للوصول إلى تطبيع علاقاته مع الأنظمة العربية ومع المجتمع الدولي فلأنه منذ أن تم غرسه على أرض فلسطين وقادته يشعرون بأن وجودهم على هذه الأرض غير طبيعي ويعانون من العزلة في المحيط الجغرافي الذي وقع استنباتهم فيه مستعملين الحيل والوسائل الحربية والإرهابية في محاولة تجذير نبتتهم الشاذة على الأرض التي اغتصبوها من أهلها الشرعيين محتمين ومدعمين بأعتى القوى العسكرية والاقتصادية والإعلامية في العالم.

ويواصل الصهاينة معركة الوجود القائم على الغصب ليس فقط بتقتيل وإبادة الشعب الفلسطيني واغتيال قادته وبإبراز التفوق العسكري وإرهاب الدول العربية المجاورة، وإنما إلى جانب هذا الدور الإجرامي يعملون وفق خطة استراتيجية لاختراق العالم العربي والإسلامي بممارسة شتى أشكال الضغوط إما بشكل مباشر أو بواسطة حلفائهم من قوى الطغيان الدولي مع الاعتماد كذلك على العملاء المنتشرين هنا وهناك.

ومن الأشكال التطبيعية الخطيرة التي يحرص عليها الصهاينة وتجد استجابة لدى بعض العناصر المغفلة أو العميلة في البلدان العربية التطبيع الثقافي الذي يرمي إلى فتح العقول والقلوب أمام الاختراق الصهيوني الذي يوظف وسائل الإعلام والإصدارات الأدبية والمنتديات العلمية والثقافية والمهرجانات الفنية وملتقيات حوار الأديان والثقافات والحضارات، وفي شكل تعاون بين الجامعات، أو عن طريق استقطاب بعض الجمعيات أو الجماعات من هذا البلد أو ذاك.. من أجل تذليل العقبات أمام تقبل الهيمنة والاستسلام لواقع الاحتلال في فلسطين وإعادة تشكيل المنطقة ثقافيا بتعزيز عناصر قوة المشروع الصهيوني مع إضعاف الانتماء القومي العربي وتدمير مقومات ثقافة الأمة العربية بما تحمله من قيم وباعتبارها مخزونا روحيا ووعاء للتراث الحضاري لهذه الأمة، وكلما تمكنت من فتح نوافذ وجسور للتبادل الثقافي تحت أي غطاء إلا وتتعبد الطريق أكثر نحو تحقيق الهدف الأساسي للغاصب المحتل وهو بسط الهيمنة على المحيط العربي ومنه إلى باقي العالم الإسلامي.

ويمثل التطبيع السياسي الدرجة القُصوى في التنكر للقضية الفلسطينية لأنه لا يعد مجرد اعتراف بوجود المحتل على أرض فلسطين من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي وتبادل الزيارات بين ممثلي المؤسسات الرسمية، وإنما يفتح أيضا باب التطبيع على مصراعيه في كل المجالات بما فيها المجال الأمني والاستخباراتي والعسكري مما يساعد الكيان الصهيوني على تثبيت احتلاله وتكريس اغتصابه لأرض فلسطين.

وإذا كان التطبيع قد بدأ متسترا تحت غطاءات مختلفة فإنه أضحى في السنوات الأخيرة يتخذ أشكالا علنية وصريحة وأصبح المطبعون لا يخجلون من الخطوات التي يقدمون عليها في اتجاه كيان الغصب والاحتلال من خلال زيارات رسمية علنية أو تصريحات تتناقلها وسائل الإعلام والاتصال تنم في أشكالها ومضامينها عن تراجع مكشوف عن الالتزامات القومية باعتبار أن فلسطين قضية عربية، وتخلي عن الالتزامات الدينية باعتبار أن الاحتلال يمس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتنكر لكل القيم الإنسانية، باعتبار أن الاحتلال متورط في جرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وباعتباره كذلك آخر وأفظع نظام للفصل العنصري؛ وكل ذلك بضغط أو إغراء من اللوبيات الصهيونية، وبالنسبة لبعض الحكام في الخليج على الخصوص  فإنهم يتجهون للتطبيع محاباة للولايات المتحدة الأمريكية التي توهمهم بأنها حامية لعروشهم وضامنة لاستقرارهم.

ومنذ التمهيد الأمريكي للإعلان عن “صفقة القرن” الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية بدأ التطبيع يتخذ منحى خطيرا لا يقتصر على التعامل مع الكيان الغاصب وتمتين العلاقات معه وإنما يشمل أيضا إعلان التنكر الصريح لعدالة القضية الفلسطينية كترويج مقولة “فلسطين ليست قضيتي” مما يعني في المقابل أن أصحاب هذه المقولة مع ترسيخ الاحتلال وتكريس اغتصابه للأرض الفلسطينية وحرمان أصحابها الشرعيين من حقوقهم الوطنية ومسايرة المخطط الصهيوأمركي التصفوي للقضية الفلسطينية.

وفي سياق التطور الخطير للتطبيع لوحظ عرض أعمال درامية موجهة للجماهير العربية ترمي لتزوير التاريخ وتغليط المشاهد على امتداد الوطن العربي ومحاولة تلميع صورة المحتلين الصهاينة والتغطية على جرائمهم في حق الشعب الفلسطيني وما يمارسونه من إرهاب في مواجهة شعوب المنطقة.

غير أن الخطوات التطبيعية لبعض الحكام وجماعات من العملاء لا يمكن أن تخفي عن العرب والمسلمين وأحرار العالم حقيقة الكيان الصهيوني كمحتل غاصب ومتورط في أبشع الجرائم ضد شعب صامد من أجل تحرير أرضه واستعادة حقوقه الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف.

وكيفما كانت أشكال التطبيع ستظل مدانة ومرفوضة من كل الشعوب العربية المترسخ في مشاعرها ووجدانها عدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والكفاح من أجل التحرير والعودة. غير أن المشاركة العاطفية للشعب الفلسطيني في كفاحه العادل من أجل تحرير أرضه وحماية مقدساته واستعادة حقوقه الوطنية المغصوبة لا يمكن أن تكون كافية في مواجهة عدو شرس ومدعوم سياسيا ولوجيستكيا من طرف قوى الطغيان الدولي؛ وبالتالي فإن الأمر يتطلب أعمالا ومبادرات ملموسة ومؤثرة ومتواصلة ومنها:

  • اعتبار التطبيع جريمة ليس فقط لما يمثله من طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وإنما لأنه أيضا تهديد خطير لأمن واستقرار المنطقة العربية كلها، مما يقتضي العمل بكل الوسائل على سن قوانين في الأقطار العربية بتجريم التطبيع، وتجدر الإشارة أنه سبق للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع أن أعد مقترح قانون بتجريم التطبيع صادقت عليه أربع فرق بمجلس النواب ولم يصادق عليه المجلس بعد.
  • توحيد جهود المنظمات الشعبية المناصرة للقضية الفلسطينية وإحداث هيئات وإطارات مشتركة للتصدي الحازم لموجة التطبيع وفضح حالاته والتحذير من عواقبه وممارسة الضغوط اللازمة على الأنظمة لعدم الانزلاق في أي عملية تطبيعية والتراجع عنها إن حصلت، وهنا أيضا أشير للتجربة المغربية من خلال الدور الذي تقوم به مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين التي تضم مختلف المكونات السياسية والنقابية والحقوقية في المغرب.
  • إحداث هيئة يقظة على الصعيد القومي العربي تتولى التصدي لكل أشكال التطبيع والتنسيق بين المراصد والمنظمات والتكتلات العاملة في هذا المجال على مستوى الأقطار العربية.
  • نشر تقارير منتظمة عن حالات التطبيع وفضح خطورتها وأبعادها وانعكاساتها على القضية الفلسطينية وعلى مستقبل ومصير الأمة.
  • تقوية العمل على مقاطعة كل منتجات الكيان الغاصب وتكثيف الجهود الرامية لتشديد عزلته ودعم الدور الذي تقوم به حركة B D S عبر العالم.
  • تقوية وتكثيف الأنشطة للتعريف على أوسع نطاق بعدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتحرير أرضه واستعادة حقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة.
  • التصدي لكل المحاولات الصهيونية الهادفة لتحريف التاريخ وفضح الأهداف والخلفيات الاستعمارية من وراء ذلك.

وتجدر الإشارة في الختام إلى الأدوار الهامة والمؤثرة التي يمكن أن تضطلع بها الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية والنسائية والشبابية ودور المثقفين في دعم النضال العادل للشعب الفلسطيني والتوعية والتعبئة في مواجهة التطبيع وكل المواقف الاستسلامية ومن أجل دعم مشروع نهضوي عربي يفتح آفاق التقدم أمام بلداننا وأمتنا في ظل سيادة إرادة الشعوب وحريتها وعزتها وكرامتها.

االرباط 4 ماي 2020

عبد القادر العلمي

باحث وناشط حقوقي

منسق مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين