الرئيسية / أخر المستجدات / ما هي حقوق الإنسان
توضيح مفهوم حقوق الإنسان

ما هي حقوق الإنسان

إن عبارة حقوق الإنسان التي أصبحت ترد في كثير من الكتابات، وتتردد في الخطابات والمنتديات، تتعلق بمجالات واسعة ليس من السهولة الإحاطة بها، وتحديد كل مضامينها، وهي مزيج من تعاليم الديانات السماوية، والتراكم الثقافي الذي أنتجه الفكر الإنساني عبر مراحل وأحقاب زمنية طويلة، قبل أن تتولى منظمة الأمم المتحدة تقنينها واعتمادها كإعلانات ومواثيق دولية، بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948.

وقد تجنب واضعو نصوص مختلف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تحديد تعريف لهذه الحقوق، باعتبار أن الإعلانات والعهود تحدد المبادئ والأحكام العامة وتترك مسألة التعاريف وتحليل المضامين ودراسة الأهداف للباحثين وفقهاء القانون.

وكلمة ( الحق ) كثيرة التردد في اللغة المألوفة بين الناس، فيقال مثلا من حقه أن يفعل شيئا معينا، أو أن له الحق في التعبير عن رأيه، أو له حق ملكية عقار أو منقول، أو له الحق في أجر عن عمل قام به…

و(الحق) في الشريعة الإسلامية هو أحد أسماء الله الحسنى، الذي يجسد المفهوم المطلق والشامل للحق بالمعنى اللغوي، وقد يكون ذلك من بين الأسباب التي جعلت فقهاء الشريعة يعزفون عن وضع تعريف محدد للحق في معناه العام بينما هناك تعريفات لبعض الحقوق التي تندرج في مفاهيم القانون الخاص.

وجاء في « لسان العرب » لابن منظور أنه لا يوجد اختلاف كبير بين الدلالات المعجمية والمعاني المتداولة لمفهوم الحق، ويلتقي أحد المعاني المعجمية العربية لمفهوم الحق مع التمثل المعجمي الفرنسي الأساسي، حيث يفيد الحق (Le Droit) ما هو مستقيم ولا اعوجاج فيه، ويتسع هذا المفهوم في الاصطلاح الفرنسي ليكتسي أبعادا قانونية وأخلاقية، إذ يفيد تارة ما يقوم على برهان منطقي سليم، ويعني تارة أخرى ما يقوم على قاعدة أخلاقية أو قانونية..

وفي عصر الأنوار أصبح مفهوم الحق يعبر عن قيمة إنسانية، على أساسها تنبني كرامة الإنسان، وتنوع بعد ذلك تداول هذا المفهوم في جميع مناحي الحياة الإنسانية، وارتبط بمفاهيم فلسفية، كالعدالة والحرية والواجب… أي بالقيم التي بموجبها يمكن أن تتفاعل وتتحقق إنسانية الإنسان.

وهناك تعاريف كثيرة لفقهاء القانون، ومن التعاريف الأكثر استيعابا لمفهوم حقوق الإنسان يقول (Yves MADIOT): « موضوع حقوق الإنسان هو دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنيا ودوليا، والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة، والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى»(1)، ويقول أحمد الرشيدي أن « التعامل مع اصطلاح حقوق الإنسان والحريات الأساسية، يشير بصفة عامة إلى مجموعة الاحتياجات أو المطالب التي يلزم توافرها بالنسبة إلى عموم الأشخاص، دون أي تمييز بينهم لاعتبارات الجنس، أوالنوع، أو اللون، أو العقيدة السياسية، أو الأصل الوطني، أو لأي اعتبار آخر»(2).

وإنني أميل إلى اعتماد تعريف أكثر شمولية، وهو التعريف الذي وضعته في كتابي(حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق) الصادر سنة 1986 وهو أن اصطلاح حقوق الإنسان، يعني حرية الأشخاص على قدم المساواة، ودون أي تمييز بينهم لأي اعتبار، في التمتع بالمزايا التي تخولها لهم الطبيعة الإنسانية، وتقرها مبادئ العدالة، وفي تلبية حاجاتهم المختلفة، بما يتلاءم مع ظروف كل عصر، ولا يضر بحقوق الآخرين، والقانون هو الذي يبين الحدود الفاصلة بين حقوق الفرد وحقوق الآخرين سواء كانوا أفرادا أو جماعات(3).

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة، درجت على وصف حقوق الإنسان باعتبارها تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا البشرية، والتي بدونها يستحيل علينا أن نحيا كبشر(4).

وانطلاقا من المفهوم المتعارف عليه دوليا لحقوق الإنسان، فإن هذه الحقوق لاتنبع من سلطة تجود بها على الناس، أو تتوقف على الاعتراف بها من طرف الفئات الحاكمة، أو تضمينها في مواثيق دولية، أو في قوانين وطنية، وليست مجرد فلسفة، أو مطالب سياسية واجتماعية، أو تمنيات وآمال يحلم بها الإنسان، وإنما هي نابعة من صميم طبيعة الكائن البشري، ولصيقة بكيانه، بل إنها جوهر الوجود الإنساني، وليست المواثيق الدولية، والقوانين الوطنية إلا تعبيرا عن هذه الحقوق، وأداة لتنظيم التمتع الفعلي بها من طرف الجميع، وعلى قدم المساواة، ووسيلة لحمايتها من العبث والانتهاك، من طرف أي جهة كانت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) MADIOT Yves, Droits de L’Homme et libertés publiques,Editions Masson, Paris,1976,p 19.

2) أحمد الرشيدي، حقوق الإنسان في الوطن العربي، دار الفكر،دمشق، 2002، ص22.