الرئيسية / أخر المستجدات / العدالة في المغرب والإصلاح الذي يأتي ولا يأتي

العدالة في المغرب والإصلاح الذي يأتي ولا يأتي

منذ إعلان الاستقلال السياسي للمغرب وإشكالية إصلاح العدالة مطروحة ومر هذا الموضوع بعدة محطات تتغير في كل محطة بعض ملامح المنظومة القضائية ويحدث بعض التطور فيما يخص عدد المحاكم وأطقمها الإدارية وبناياتها واختصاصاتها وتوزيعها الترابي، غير أن العدالة كقيمة أساسية في حياة المجتمع وكآلية لإقرار دولة الحق والقانون ظلت متعثرة الخطوات.

وإذا كان دستور سنة 2011 قد جاء بمفاهيم ومؤسسات جديدة وأقر استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية (الفصل 107) فإن تنزيل ما جاء به الدستور إلى مجال التنفيذ والممارسة لم يرتق للمستوى المأمول فيما يخص بلورة قيمة العدالة على أرض الواقع.

وفي سنة 2012 فتح حوار وطني حول إصلاح  منظومة العدالة بهدف الوصول إلى ميثاق وطني يشارك في جميع المعنيين وأسفر الحوار عن تحديد أهداف أساسية منها:

  • توطيد استقلال السلطة القضائية
  • تخليق منظومة العدالة
  • الارتقاء بنجاعة القضاء
  • إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة
  • تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها.

وهذه الأهداف وغيرها كانت ترد كشعارات وكمطالب لجمعية هيئات المحامين بالمغرب والمنظمات الحقوقية وللمهتمين بالشأن القضائي بوجه عام، كما كانت ترد في أدبيات ووثائق بعض الهيئات السياسية الوطنية التي طالما كانت تربط بين الانتقال الديمقراطي واستقلال ونزاهة السلطة القضائية.

والتغييرات التي عرفتها المنظومة القضائية في المغرب خلال السنوات الأخيرة يبدو أنها مست الجوانب الشكلية ولم ترتقي لمستوى بلورة الاستقلال والتخليق الفعلي للسلطة القضائية.

وبقطع النظر عن المشاكل التي تعترض المتقاضين داخل المحاكم والمساطر القضائية والحصول على الأحكام والتنفيذ…فإن هناك أمثلة كثيرة بالنسبة للحالات التي تجعل استقلالية السلطة القضائية، كجوهر أي إصلاح، موضع تساؤل؛ وسأقتصر على طرح المفارقة بين نوعين من الأحكام التي تصدرها المحاكم المغربية، فهناك أحكام صدرت مؤخرا في حق أشخاص أدينوا بسبب اختلاس مئات الملايير من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وحكم على أبرزهم وعلى عدد من المدانين بالاختلاسات المهولة بالسجن مع إيقاف التنفيذ!!! وبالمقارنة مع الأحكام التي تصدر في حق بعض الصحفيين وبعض النشطاء السياسيين المعارضين للسياسات العمومية المتبعة نلاحظ تشددا كبيرا ومجحفا في مدد السجن النافذ المحكوم بها عليهم.

وفي غياب أي تدابير عملية وفعالة في تقويم مثل هذه المفارقة فإن السؤال يبقى مطروحا كيف يمكن بناء الثقة لدى المواطنين في القضاء وكيف يمكن ضمان الأمن القضائي الذي هو أساس الاطمئنان والاستقرار والاستثمار والتقدم في البلاد؟