الرئيسية / أخر المستجدات / الحرب الملتبسة

الحرب الملتبسة

ثريا عاصي/

نتكلم على الحرب التي تشنها الحكومة الصهيونية العنصرية على قطاع غزة، رداً على الانتفاضة المسلحة التي بادرت إليها كتائب القسام، حركة حماس بمشاركة فصائل مقاومة فلسطينية أخرى تحت عنوان “طوفان الأقصى”، بعد أن صار الأقصى ليس رمزاً دينياً وحسب بل وطنياً فلسطينياً أيضاً.

من البديهي أن هذه الحرب ملتبسة. وهذه الشروحات اللازمة للتفكر في هذه الإشكالية كما تراءت لنا من خلال متابعتها منذ السابع من تشرين أول الماضي :

ـ من البديهي أن الانتفاضة التي نحن بصددها، هي انتفاضة وطنية لا تختلف في جوهرها عما سبقها قديماً في سنة 1929، وحديثاً بدءاً من انتفاضة الحجارة 1987 ـ 1991 وصولا إلى طوفان الأقصى. ذلك لكونها أشركت جميع فصال المقاومة الفلسطينية في القطاع والضفة الغربية، بالإضافة لجميع فئات المجتمع الفلسطيني، وأغلب الظن أن الشارع العربي عموماً يتعاطف معها. لعل أكبر دليل على طابعها الوطني التحريري من نير الاستعمار ومن عنصرية المستوطنين المجرمين ( كل مستوطن في أرض الغير عنوة هو مجرم، متوحش ) هي هذه التظاهرات التي يسير فيها آلاف الأشخاص في عواصم العالم ومن ضمنها عواصم الدول التي أعلنت عن دعمها “لإسرائيل” “غير المشروط”، منددة بسلوك “إسرائيل” ومواقف مؤيديها. يكون الاستعمار والاستيطان أحياناً باسم الدين، ولكنه في الحقيقة سيرورة استيلاء على ملكيات شعوب أخرى ومجازر جماعية بغية إفنائها أو إبعادها طمعاً بالربح والثروة. أما النضال التحريري فهو في جوهره، نضال وطني، سواء انخرطت فيه مجاميع دينية وأحزاب ومنظمات التقى أعضاؤها على قيم العيش المشترك العادل في إطار الأمة الوطنية. بكلام أكثر صراحة ووضوحاً، تضطلع اليوم حركة حماس، الدينية، في نضال وطني فلسطيني، بدافع من إيمانها الذي يوجب الدفاع عن التراب الوطني والأمة الوطنية.

ـ ولعل من أهم النتائج التي تحققت حتى الآن في سياق الانتفاضة الوطنية في قطاع غزة، إلى جانب مساندة أهل الضفة الغربية في حرب الاستيطان التي يتعرضون لها، هي رفع الغشاوة عن الدور القبيح الذي أوكل لما يسمى الدول الخليجية، بواسطة الدولارات النفطية التي تترك لهم، شرط إنفاق جزء منها في إفساد حكام شبه الدولة العربية، في المشرق والمغرب، إفشالاً لمشروع الدولة الوطنية الحقيقية في جميع الدول التي ضربها “الربيع العربي”، بتوجيه من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية المجرورة خلفها.

ـ أصل الآن إلى الإشكالية الإيرانية. يخيل لنا، استناداً إلى أبواق دعاية الدول الخليجية، أن الإيرانيين لم يكونوا إيرانيين أو فرساً، في زمان شاه إيران، والدليل على ذلك هي العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين هذه الدول الخليجية، بالإضافة إلى مصر الملكية، ثم ما بعد وفاة جمال عبد الناصر، من جهة والدولة البهلوية من جهة ثانية. ألم يكن الشاه، مثله مثل حكام تركيا، يقيم علاقات طبيعية مع “إسرائيل”، ألم يكن الشاه شيعياً، ينقد بعض رجال الدين الشيعة؟؟ ما الذي تغير إذن؟ من نافلة القول أن الحرب العراقية على إيران أتت بنتائج سلبية على العراق. هذا ما كان يتوخاه الداعمون للعراق في معسكر الدول الغربية المجرورة وراء الولايات المتحدة، ووكلاء هذه الأخيرة في دنيا العرب. والدليل على ذلك أنه ما أن وضعت الحرب ضد إيران أوزارها حتى انقلب داعمو العراق فيها، بأموالهم وعتادهم العسكري ضده. لا شك في أن إيران امتنعت عن الوقوف إلى جانب العراق ضد الغزو الأميركي – الغربي الذي تعرض له. ولكن هل كانت مصلحتها الوطنية تجيز لها التدخل، وهل كانت تمتلك من القدرات العسكرية ما يمكنها من ذلك؟؟ ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة العربية، وفي طليعتها الدول الخليجية، التي دعمت العراق في حربه ضد إيران، دعمت أميركا وحلفائها ضده.

ـ ننتقل من بعد إلى فصائل المقاومة في بعض دول العرب، ضد تمادي الحلف الأميركي ـ الغربي، ضمنا “إسرائيل”، تسلطاً على هذه الدول، حيث أن إيران وقفت معها، بأساليبها ووسائلها بالتأكيد، في حين أن دول الخليج النفطية، والدول العربية التي يطمع حكامها “بعطياتها” استخدمت هي أيضا كل وسائلها وأساليبها لاعتراض هذه الفصائل |.

ـ نعود إلى الحرب على قطاع غزة. الرأي عندنا أنه كان لدى الإسرائيليين خطة معدة مسبقاً لإفراغ قطاع غزة من سكانه، توازياً مع خطة ترحيل سكان الضفة الغربية بواسطة المستوطنين التي يجري العمل على تنفيذها. أما انتفاضة القطاع “طوفان الأقصى” (الأقصى رمز ديني ووطني ) فكان الهدف منها، إنجاز عملية جريئة، صادمة، والقبض على أسرى ورهائن، تمكن مبادلتهم بالأسرى والرهائن الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب محاولة فرض ضمانات لإبقاء الأقصى رمزاً دينياً مقدساً، ورمزاً وطنياً فلسطينياً.

من البديهي في هذا السياق ان المقاومة في قطاع غزة لا تستطيع هزيمة الجيش الإسرائيلي، ولكنها نجحت في أن تفاجئه وأن توجه له صفعة قوية، كما أنها عازمة كما يبدو على أخذ المبادرة بإطلاق سيرورة تحريرية، ضد التمييز العنصري والاستيطان، وصولاً إلى حل قائم على العدالة والمساواة، مثل الحل الذي تقدم به وجهاء الفلسطينيين للمندوب السامي البريطاني فرفضه في سنوات 1930.

وأخيراً من حقنا أن نتساءل، علماً أن الإسرائيليين يعرفون أن حماس والمقاومة هم وكل الفلسطينيين عما يمكنهم فعله، فيما لو صمد الفلسطينيون، وتحملوا آلام التضحيات، دون ينزحوا عن أرضهم ؟هل سيلقون عليهم قنبلة ذرية كما اقترح وزيرهم للثقافة ؟ أم أنهم سينتظرون حتى يموت جميع الفلسطينيين جوعاً وعطشاً تحت قنابل الطائرات بحسب خطة وزير حربهم ؟ ولكن ليس مستبعداً أن تنجح المقاومة في القطاع بدعم من حلفائها المقاومين في بعض البلدان العربية، ومن الرأي العام الشعبي العالمي، بعد افتضاح أمر النظام الصهيوني ونياته الخبيثة، في فرض المشروع الوطني الذي رفضه في سنة 1930 المندوب السامي البريطاني!