الرئيسية / أخر المستجدات / الغرب الذي تأفل شمسه

الغرب الذي تأفل شمسه

د. خالد فتحي/

ليس سرا مااذاعه إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا منذ شهر على رؤوس الأشهاد من سفراء بلاده من أن الهيمنة الغربية قد ولت دون رجعة . فقد بزغت قوى جديدة متمكنة استراتيجيا في المنتظم الدولي كروسيا والصين والهند لابد من أخذها بعين الاعتبار . وخصوصا وان ذلك يظهر رأي العين في عدد من الملفات التي لم يعد الغرب الأمريكي ومن ورائه الغرب الاوروبي قادرين على حسمها لوحدهما كالصراع مع إيران في مضيق هرمز والمسالة السورية وداعش و”تنطع” الرئيس الكوري الشمالي الذي واصل تجاربه النووية دون وجل من الغرب .
هناك محللون يرون أن الغرب دخل منذ زمن مرحلة احتضار الهيمنة و انحسار النفوذ، ويتجلى ذلك عبر المبالغة في فرض سيطرته عبر الحصار وتوقيع العقوبات الاقتصادية كما فعل في مواجهة روسيا و إيران وكوريا أو بالقوة العسكرية الغاشمة كما هو الشأن بالعراق و سوريا و ليبيا أو حتى بصناعة ثورات يخصبها في العالم الافتراضي لزرع الفوضى كما فعل في المنطقة العربية لتأجيل افلاتها من قبضته المحكمة مستغلا في ذلك سوء أحوال الشعوب وحنقها على الاستبداد وغياب الديمقراطية .
تراجع الغرب يتم على أكثر من مستوى فتكنولوجيا استطاعت الصين أن تهزم كبرياءه وتنهي احتكاره و تضع كلا قدميها في هذا المجال الحيوي بعد سنين من النمو المرتفع المستدام نتيجة الانفتاح الاقتصادي و التراكم المعرفي والتكنولوجي المتصاعد .فالثمرات التي اينعت من خلال نموذج تنموي متفرد ومفارق للنموذج الغربي قاده الحزب الشيوعي هناك أدى إلى امتلاك بكين لأسباب القوة الناعمة و التي عادت الان في قوة الاقتصاد و الذكاء الاصطناعي وانترنيت الاشياء وتخاطب الالات .وقد رأينا مثلا كيف مثلت شركة هوواوي رأس الحربة الذي حازت بها بكين تقنية الجيل الخامس من الاتصالات مما اعتبر إشارة اخيرة إلى التقلص الكبير في الفجوة بين المعرفتين الأمريكية الغربية والصينية.
وفي الوقت الذي تذل فيه الصين الغرب تكنلوجيا ، تستنزفه روسيا عسكريا واستراتيجيا.فروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي المنهار على عهد غورباتشوف تنبعث من الرماد خلال ثلاثين سنة فقط لتطاول بقوتها العسكرية امريكا والغرب في شتى مواقع الصراع حتى ان بوتين في مؤتمر الشرق الاقتصادي المنعقد أخيرا بمدينة فلاديفاستوك الروسية أمن على تصريح ماكرون بالقول إنه لا يمكن تصور نظام عالمي جديد بدون الصين والهند.
ولذلك نرى كيف أن فرنسا المتوجسة من المستقبل الأوروبي الغامض تمد بدها الى موسكو معتبرة انها دولة يمكن أن تعتبر أوربية جغرافيا رغم محتدها الحضاري الشرقي مستعينة في هذا التكييف الجديد لمكانة روسيا بتقاليد شارل ديغول في عدم الانجرار الكامل وراء لاخ الأكبر الامريكي و الحرص على سياسة متوازنة بين الشرق والغرب .ففرنسا التي تترقب انعكاسات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تكون بصدد البحث عن تعويضها بروسيا التي هي رقم يصعب تجاوزه مثلما الصين والهند ذوي القوة البشرية والصناعية والمعرفية الهائلة .
يبدو جليا أن هناك دورة للنظام الدولي قد بلغت مداها فمنذ قرون والغرب يبسط هيمنته على العالم.فاذا كان القرن 18 فرنسيا والقرن 19 بريطانيا والقرن 20 أمريكيا فالقرن 21 قد يكون صينيا او روسيا .او لربما اذا اعتبرنا الغرب واحدا و دمجنا الغرب الامريكي بالاوروبي فلماذا لاتكون الثلاثة قرون المقبلة بالكامل قرونا شرقية ؟
العالم مفتوح على منظومة جديدة وتخلق مغاير للقوة . ومفاهيم جديدة للسطوة الدولية غير القوة العسكرية بعد أن وصلنا على ما يبدو لتوازن الرعب بين كل كل الاقطاب ولربما يكون هذا النظام الجديد قد بدأ فعلا و لاننتبه اليه .إذ يلزم بعض الوقت لذلك و ملاحظة توالي عدد من الأحداث الدالة التي تؤشر على افول شمس الغرب. ولعل التردد أو العجز الأمريكي الأخير عن الرد عسكريا على إيران وسعي ترامب للخروج من افغانستان وخذلانه المتواتر لأصدقائه هي احدى هذه المؤشرات التي ينبغي أن نلتفت إليها ونرتب عليها استنتاجاتنا .وقد تكون بكين أزاحت واشنطن عن زعامة العالم .فامريكا نفسها نزعت الريادة من بريطانيا على مدى مرحلة طالت تقريبا 50سنة .
ففهل يثأر الشرق من الغرب ويستلم المشعل منه؟؟ ام اننا سنكون امام تقسيم آخر للعالم ينبني على عالم متقدم غني وآخر متعثر فقير خصوصا وقد رأينا كيف فكر قادة قمة السبعة ببياريتز في استقطاب روسيا لنادي الأغنياء ليصبحوا ثمانية ؟؟ ذلك ممكن .وممكن ايضا في المقابل أن تتحالف الصين وروسيا ومعهما الهند لنعيش عصر هيمنة حضارة الشرق .هذه كلها مخاضات مختلفة للنظام العالمي المقبل قريبا جدا .

عن “رأي اليوم”

اترك تعليقاً