الرئيسية / أخر المستجدات / اليمن أول تحدٍّ عسكريّ استراتيجيّ للبنتاغون

اليمن أول تحدٍّ عسكريّ استراتيجيّ للبنتاغون

ناصر قنديل/

خاضت القوات الأميركية خلال القرن الحادي والعشرين حروباً في كل من أفغانستان والعراق، ونشرت قوات تدخل في سورية تحت شعار مواجهة الإرهاب الذي مثّله صعود تنظيم داعش. وواجهت القوات الأميركية في هذه الساحات حروب مقاومة شعبية عبرت عن رفض شعوب وقوى هذه البلدان لاحتلالها، وانتهى احتلال أفغانستان بإعلان الانسحاب الأميركي بعد عشرين سنة، بالتسليم بالفشل؛ بينما يدور النقاش حول كيفية التعامل الأميركي مع المقاومة في سورية والعراق، على خلفية ارتباط هذه المقاومة والاحتلال الأميركي بموازين القوى المحيطة بأمن كيان الاحتلال وتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن التحدّي الذي تواجهه القوات الأميركية في البحر الأحمر يبدو مختلفاً على كل المستويات.

من الزاوية الاستراتيجية تصنف الحالة التي تواجهها القوات الأميركية في البحر الأحمر، بمواجهة نظاميّة بين جيشين متقابلين، يفترض أن لا يستطيع خوضها بوجه القوات الاميركية الى جيش دولة عظمى، حيث لا توجد قوات أميركية تحتل أراضي يمنية وتواجه حرب مقاومة شعبية، بل ثمة مواجهة تدور بين الأساطيل الأميركية ووحدات الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية ساحتها البحر الأحمر. وخلال أكثر من شهر تفشل القوات الأميركية في إسكات مصادر النيران اليمنيّة. وتستمر الصواريخ والمسيرات اليمنية باستهداف السفن في البحر الأحمر، وتتعرض السفن الحربية الأميركية لبعض من هذه النيران.

من الزاوية الاستراتيجية هذا التحدي النوعي يجعل من اليمن دولة عظمى، أو من الجيش الأميركي جيش دولة عالم ثالث. فالمواجهة الدائرة على مستويات الاستخبارات والتقنيات والنيران، يقول بأن اليمن نجح بتحقيق التوازن مع القوات الأميركية، وأدخلها في حرب استنزاف، حيث كل من الجيشين اليمني والأميركي يستهدف الآخر. ووفق معايير الجيوش النظامية، ينجح الجيش اليمني باحتواء الضربات الأميركية والعودة بعد كل ضربة الى استئناف إطلاق النار كأن شيئاً لم يكن، فلا يتحقق الردع خشية مخاطر المواجهة، ولا تحقق المواجهة ذاتها ما يتسبّب بإضعاف قدرة الجيش اليمني على إطلاق النيران. وتبدو القدرات الاستخبارية والتقنية والنارية للجيش اليمني موازية لما يملكه الجيش الأميركي، أو ما يستخدمه في هذه المواجهة على الأقل، طالما أن الأمور تُحسَب بنتائجها.

القضيّة هنا لا تتصل بالمعنويات، لأن لا مواجهة برية بين الطرفين، بل تبادل للنار عن بُعد. وفي هذا التبادل، ثلاثة عناصر، المعلومات والتقنيات والطاقة النارية، وفي حرب تقليدية بحريّة يبدو اليمن وأميركا على طرفي معادلة توازن معيارها الاستمرار بالوتيرة ذاتها خلال أكثر من شهر، يقول الأميركيون في كل مرة إنهم يكتشفون خلال المواجهة أن اليمنيين أدخلوا عنصراً جديداً إلى ميدان الحرب، ويتحدّثون مرة عن صواريخ بالستية مطوّرة يجري استخدامها في المواجهة البحرية، ومرة أخرى عن غواصات مجهّزة لهذا النوع من المواجهة، ويعترفون بامتلاك اليمن معلومات كافية عن حركة السفن التجارية والحربية وكيفية استهدافها. وتثبت المواجهة قدرة اليمن على تنظيم الحركة والنار بما ينجح بتفادي الاستهدافات الأميركية.

خلال مرات عديدة نجح اليمن كجيش نظامي، بفرض إرادته على السفن التجارية التي حظيت بحماية السفن الحربية الأميركية، وأجبرها على تغيير وجهتها بعدما حاولت البحرية الأميركية مواكبتها لتمكينها من العبور بعكس الإجراءات والتعليمات اليمنية. وهذا يعني على المستوى الاعتباري والمعنوي إلحاق الأذى بمكانة البحرية الأميركية وسمعتها وقدرة الردع الأميركية، بحيث لا يمكن النظر لنتائج المواجهة الدائرة خارج إطار فشل قدرة الردع الأميركية من الزاوية الاستراتيجية.

خلال عام ونصف كان الأميركيون يقولون إن المواجهة الروسية الأوكرانية غير المتماثلة أظهرت أن الجيش الأوكراني أسقط قدرة الردع الروسية، واليوم يمكن القول ببساطة إن المواجهة بين الجيش الأميركي والجيش اليمني أسقطت قدرة الردع الأميركية.