الرئيسية / أخر المستجدات / صورة كئيبة لوضعية حقوق الإنسان

صورة كئيبة لوضعية حقوق الإنسان

عقدت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان ندوة صحفية قدمت خلالها تقريرا مفصلا يعكس وضعية كئيبة لحقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2017، وسجل التصريح الصحفي الذي تلاه رئيس وأعضاء من المكتب المركزي تراجعات وانتهاكات للدستور والتضييق على الحريات والمس بالحقوق، وتناول التصريح الانتهاكات المتعلقة بالحقوق  المدنية والسياسية كالحق في الحياة وحرية الصحافة والحق في التظاهر  والتجمع السلمي ووضعية السجون، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالحق في الصحة والحق في التربية والتكوين وحق الشغل والحق في السكن اللائق والحقوق اللغوية والثقافية والبيئية والحقوق الفئوية، وفيما يلي النص الكامل  للتصريح الصحفي:

إن المتتبع لأوضاع حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2017  ، سيسجل ، مع كامل الأسف ، أن المغاربة عاشوا تراجيديا حقوقية بسبب تملص الدولة المغربية من التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان ، بل الأدهى من ذلك انتهاكها لأسمى قانون للبلاد بعدم احترام مقتضيات الدستور والتراجع عن مجموعة من المبادئ التي نص عليها :(كحرية الصحافة والحق في الحياة والحق في المعلومة والديمقراطية التشاركية…). كما يتم توظيف القضاء في تصفية الحسابات، والزج بمجموعة من المواطنين ،  والمدافعين عن حقوق الإنسان…إضافة إلى الصحفيين في السجون ، أونهج سياسة اللامبالاة بخصوص الإضرابات المفتوحة عن الطعام التي يخوضها عدد من المعتقلين السياسيين،(خاصة نشطاء الريف المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة ). كما أن  المغرب ما زال  يتبنى خطابا مزدوجا، فمقابل التوقيع والتصديق على الاتفاقيات كانضمامه إلى البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية مناهضة التعذيب و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، و البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية. ، لكن على مستوى الواقع هناك انتهاكات واضحة، فحراك الريف وجرادة وزاكورة وقلعة السراغنة وغيرها  يذهب في هذا الاتجاه.

بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية

رغم أن تكريس الدستور المغربي ل 2011  لمبدأ الحق في الحياة، وذلك من خلال الفصل 20، إلا أن القانون المغربي ما زال يصر على عقوبة الإعدام في العديد من الجرائم الجنائية والسياسية، وما زالت المحاكم المغربية تصدر أحكاما بالإعدام، مما يشكل انتهاكا لهذا الحق المقدس. كما أن السلطات المغربية ما زالت تتشبث بهذه العقوبة ، ويتجلى ذلك من خلال التصريحات التي أدلى بها مصطفى الرميد، الوزير المُكلف بحقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان بجنيف  في ماي 2017عن رفض المغرب لتوصية الانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وعلى رفض المغرب “الإلغاء التام لعقوبة الإعدام مع الحفاظ على وقف تنفيذها”.

كما سجلت العصبة خلال سنة 2017 وجود ادعاءات حقيقية  باستخدام القوات العمومية ورجال الأمن للقوة المفرطة خلال الاحتجاجات التي نظمت في عدة مناطق من البلاد ، حيث تقوم قوات الأمن بمهاجمة المحتجين في العديد من المناسبات مما أدى إلى حالات من الوفيات وهي خروقات  تمس الحق في الحياة، والتي تتحمل فيها الدولة المسؤولية إما مباشرة أو بشكل غير مباشر؛ كما توفي العديد من المواطنين بسبب العنف الممارس أو الإهمال سواء في مراكز الشرطة، وفي الأماكن العمومية، وبالمراكز الصحية  وفي السجون ، أو بمجرد التوقيف من طرف دوريات الأمن، أو بسبب الفيضانات وحوادث السير وانهيار المباني إضافة إلى لجوء العديد من المواطنين والمواطنات إلى إحراق أجسادهم، أو ركوب قوارب الموت للهجرة نحو أوروبا.

إن تقارير العديد من الهيآت والتنسيقيات والائتلافات الوطنية لحقوق الإنسان تجمع كلها على استمرار ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة كممارسات خارجة عن القانون  بشكل واسع سواء أثناء الاعتقال والاستنطاق بمراكز الشرطة والدرك أو في السجون ؛ وهو ما يمكن الوقوف عنده من خلال  ما تنشره الصحف والمواقع الإلكترونية وشهادات بعض معتقلي الحراك الشعبي بالريف عن عشرات حالات التعذيب وسوء المعاملة. كما نسجل بالعصبة استمرار  حالات العنف المفرط الذي تمارسه القوات العمومية في حق المحتجين سلميا، ويؤدي في الغالب ، إلى إحداث إصابات جسدية بليغة في صفوفهم:  الدكاترة المعطلون، الأطباء الداخليون، الأساتذة المتدربون، الاعتداءات المتكررة على الطلبة والمعطلين ومن بينهم أشخاص في وضعية إعاقة، ونشطاء الحركات الاجتماعية. كما تابعنا، من جهة أخرى، حالات من المعاملة المسيئة  والحاطة  بالكرامة، كالعقاب بالعزلة أو التضييق على المعتقلين السياسيين الطلبة ومن يسمون بمعتقلي  السلفية  الجهادية أثناء خوضهم  للإضرابات عن الطعام.

إن المغرب ملزم بالإسراع والتعجيل بتشكيل  الآلية الوطنية المستقلة للوقاية من التعذيب ،كألية تنهض بمهام الوقاية وزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز ،وتلقى الشكايات وتنجز التقارير وتقدم التوصيات في ظل  التماطل المسجل في إحداث هذه الآلية واستمرار تسجيل معاناة المواطنين مع ممارسات بعض المسؤولين في أجهزة السلطة والدرك والشرطة، حيث تتصاعد بوثيرة مقلقة تظلمات المواطنين والمواطنات إزاء انتهاكات طالتهم أو طالت أقرباءهم جراء التعنيف والتعذيب النفسي والجسدي، الذي يتعرضون إليه داخل مخافر الشرطة، وكذا وجود خروقات في إعداد محاضر الضابطة القضائية.

وفي مجال الحريات العامة شهدت سنة 2017 ، استمرار السلطات المغربية التضييق على حرية الرأي والتعبير وعلى المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، حيث أسيء استخدام مفهوم أمن  البلاد لفرض قيود واسعة غير مبررة على حرية التعبير ، بسبب التعريف الغامض أو الفضفاض لمصطلحات أساسية مثل الأمن والإرهاب وتلقي الدعم الخارجي وتمجيد الإرهاب أو التطرف …إلخ.  وجاءت أبرز تجلياته ببلادنا في أعقاب أحداث حراك الريف أو عقب مقتل السفير الروسي بتركيا والمحاكمات التي تلتها . للتذكير فقد أعرب المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بحماية حقوق الإنسان عن قلقه البالغ من استخدام إجراءات لمكافحة الإرهاب كثيرا ما تكون مبهمة وبالتالي تبدو متنافية مع شرط المشروعية حسبما هو وارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . إننا نعتبر أن المحاكمة السياسية سواء لنشطاء حراك الريف والداعمين لهم ومناضلي  ومناضلات العصبة ونشطاء حركة 20 فبراير، ومناضلات حركات المعطلين، ومعتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية، والنشيطات والنشطاء الصحراويين، والمواطنات والمواطنين المشاركين في احتجاجات سلمية بالعديد من المناطق  خلال سنة 2017 ، والتي ما زالت مستمرة تجعل المغرب في وضع مكشوف أمام المحافل الدولية التي بلا شك تقف الآن على تقييم مصداقية النظام القضائي المغربي، من خلال الإجراءات المطبقة قضائيا لاسيما في محاكمات الرأي التي ما زالت تخلف موعدها مع التاريخ. ذلك أن ما عبر عنه مثلا  نشطاء الريف سواء أثناء التظاهرات الاحتجاجية أو أمام القضاء  هو تعرية لواقع لا يسمح للركون إلى التسامح مع من سرق حلم المواطنين والمواطنات  في العيش المحترم والكرامة المصانة.

لقد أبانت محاكمة نشطاء الريف والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وبقية المحتجين والمحتجات الذين اعتقلوا بالمغرب خلال سنة 2017 عن اختلالات كبيرة  قد تكون ممنهجة على المستوى السياسي والأمني والقضائي ، وإلا كيف يمكن أن تقنع الدولة وأجهزتها الرأي العام الوطني والدولي بإجراءاتها القمعية تجاه شباب لا يمتلك سوى حناجره للدفاع عن الحقوق.
لقد تجاوزت الاعتقالات والمتابعات على خلفية حراك الريف مثلا أزيد من 450 مناضل ومناضلة ، مشتتين على أكثر من عشر سجون على امتداد خريطة المغرب ، من بينهم 12 قاصرا تم الحكم على أحدهم بالسجن . كما صدرت أحكام قاسية في حق المحكومين من نشطاء هذا الحراك وصلت بعضها 20 سنة سجنا نافذة .كما تعرض مجموعة من الناشطين الحقوقيين للاعتقال والمحاكمة في احتجاجات عرفتها منطقة أولاد الشيخ بإقليم قلعة السراغنة. وفي علاقة مع  قضية حراك الريف.

كما لا تزال وضعية الإعلام والصحافة تعيش أوضاعا صعبة بسبب مواصلة الدولة التضييق على الصحفيين ومتابعتهم قضائيا ، كما حصل مثلا مع الصحفي حميد المهدوي الذي يدرك كل من يتابع موقعه “بديل” أن أمر سجنه وإخراسه، كان مسألة وقت فقط، ذلك أن إثارته لملفات الفساد ومظاهر التسلط وغياب القانون وقمع الحريات، جعل السلطات تتهيّب منه ومن جرأته . فبعد أن استدعي للتحقيق والمساءلة في مرات سابقة، شاءت السلطات أن تعتقله دون أن تكلف نفسها متابعته بقانون الصحافة كما ينص القانون على ذلك ضمن الاعتقالات التي طالت الصحفيين جراء حراك الريف. ومن الأمثلة الواضحة كذلك على استمرار المخزن في الهجمة المفتوحة والمستمرة على النشطاء الحقوقيين ندرج هنا ما أقدمت عليه سلطات  عمالة المضيق الفنيدق خلال سنة 2017 من خلال استهداف كل النشطاء الحقوقيين الذين يدعمون الاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية والكرامة  والعدالة الاجتماعية عبر اعتقالهم ومتابعتهم بتهم جاهزة قصد تخويفهم وترهيبهم ، وفي مقدمتهم مناضلي فروع العصبة على مستوى الإقليم وعلى رأسهم كمال لمسيح عضو المجلس الوطني للعصبة والمكتب الإقليمي بالمضيق الفنيدق ، رفقة الأخ عبد الواحد طنيبر…

-الحق في التجمع و التظاهر السلميين :

إن المتتبع للتطورات الاجتماعية ببلادنا، سيلاحظ استمرار الدولة في التضييق على حق المواطنين في التعبير السلمي بواسطة الاحتجاج وانتهاك الحق في التنظيم والتجمع المكفولين بمقتضى المواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية، مع تسجيل تنامي استعمال  القوة ضد العديد من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية السلمية . لقد سجلت سنة 2017 تقريبا 17 ألف حركة احتجاجية من بين مسيرات ووقفات وإضرابات، وهو ما يعبر عن دينامية المجتمع المغربي وتنامي المطالب الشعبية من أجل الحق في العيش الكريم ، مما اضطر المواطنين إلى اللجوء إلى أسلوب الاحتجاج لتلبية تلك المطالب. ورغم إقرار الدولة بمشروعية هذه الأخيرة، إلا أنها واجهت احتجاجات الساكنة في مرات متعددة بإعمال المقاربة الأمنية ، حيث أن  أغلب هذه الاحتجاجات لم تمر بسلام بما فيها احتجاجات الريف والتي دام طابعها السلمي لمدة 6 أشهر التي أدت إلى مواجهات واعتقالات وإصابات سواء في صفوف المحتجين أو المواطنين العاديين.كما سجلت بالتالي مجموعة من الانتهاكات الحقوقية أثناء محاولة احتواء السلطة للأوضاع خلال موجات الاحتجاج في جميع مناطق التوتر، ، مما أدى إلى المس بالحق في الحياة خلال قمع احتجاجات الحسيمة، وزاكورة وجرادة وباقي المناطق التي عرفت حراكا شعبيا .

أما وضعية السجون بالمغرب خلال سنة 2017

فرغم وجود الضمانات القانونية ، وتسجيل إيجابية الجهود الرسمية والإجراءات المتخذة ، سواء على مستوى البنيات التحتية أو البرامج التكوينية فإن الشأن السجني بالمغرب لا يتم التعامل معه بجدية تراعى فيها حقوق السجناء داخل المؤسسات السجنية أو مراكز إعادة التأهيل. إضافة إلى استمرار ضرب المقاربة التشاركية في التعامل مع  اجتهادات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات الحقوقية واقتراحاتها في هذا الصدد خاصة  المذكرة الصادرة عن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمرصد المغربي للسجون، ومنتدى الحقيقة والإنصاف والهيئة المغربية لحقوق الإنسان الصادرة في يونيو 2016 ، والتي تضمنت مجموعة من الملاحظات والمقترحات حول مشروع القانون المنظم للسجون .

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :

اعتبرت سنة 2017 بالمغرب سنة الاحتجاجات بامتياز ، حيث عزى جميع المتتبعين والمختصين هذه الظاهرة الخطيرة والتي شهدتها  مجموعة من مناطق المغرب ( الريف، جرادة ، زاكورة ، تنغير ، ورزازات … وغيرها) إلى فشل نموذج التنمية البشرية في المغرب  لافتقاده لإرادة سياسية حقيقية، مما جعل أعلى سلطة في البلاد تقر بفشل هذا النموذج.

فقد تميزت سنة 2017 من الناحية الشغلية بانخفاض وثيرة التوظيف والتشغيل لتتفاقم البطالة في صفوف الشباب التي بلغت نسبتها حسب الإحصائيات الرسمية إلى مليون و200 عاطل سنة 2017 ، أي أن معدل البطالة انتقل من 9.9 إلى 10.2 في المائة وقد سجلت أعلى المعدلات أساسا في صفوف النساء ولدى الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة ، ولدى حاملي الشهادات . كما كشفت الإحصائيات ، أن الاقتصاد المغربي أحدث ما بين 2016 و2017 86.000 منصب شغل مقابل فقدان 37000 منصب . كما كشف البنك الدولي في احد تقاريره أن “شابا من أصل اثنين تقريبا ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة يتوفرون على منصب عمل غالبا ما يكون في القطاع غير النظامي والهش”، ذات المنظمة الدولية كشفت في تقرير آخر أن معدل البطالة في المغرب قد “ارتفع إلى 9.3% في الربع الثاني لعام 2017، لاسیما في صفوف الشباب (23.5%) والمتعلمین (%17 ). أما بشأن الحريات والحقوق النقابية، تسجل العصبة استمرار وتصاعد الخروقات السافرة في هذا المجال، والمتجسدة أساسا في الاقتطاع من أجور الموظفين/ات المضربين عن العمل، وفي الممارسات التعسفية ضد النقابيين، وفي رفض السلطات المحلية استلام الملفات القانونية أو رفض تسليم وصول الإيداع للعديد من النقابات العمالية، ورفض الاعتراف بالمكاتب النقابية والحوار معها من طرف المشغل وطرد المسؤولين النقابيين والعمال والعاملات المضربين، بل واعتقالهم ومحاكمتهم في العديد من الحالات وإغلاق المعامل خارج إطار القانون لتخويف العاملات والعمال من العمل النقابي.كما أن الحوار الاجتماعي ظل شكليا وعقيما، بينما ظلت العديد من الالتزامات المتضمنة في اتفاق 26 أبريل 2011 بين الحكومة وممثلي المركزيات النقابية والمشغلين دون تنفيذ، ولم تعرف العديد من المطالب المشروعة للأجراء والأجيرات الاستجابة المطلوبة… كما نسجل تمادي الدولة المغربية في مسلسل تنزيل القانون التنظيمي للإضراب رغم معارضة النقابات لغياب المقاربة التشاركية في تنزيله ، على الرغم من التنصيص الدستوري على ضمان هذا الحق، و ذلك رغم مصادقة المملكة مؤخرا على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 151 المتعلقة بموظفي القطاع العام.

الحق في الصحة :

إن المتتبع لواقع الصحة ببلادنا لا يمكن أن ينكر وجود حالة مرضية داخل القطاع تمتد لسنوات تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية فيها باعتبارها تمتلك آليات تغيير الوضع. وهذا يحيلنا  مباشرة إلى واقع قطاع الصحة  بعيدا عن وهج و بريق تلك الإستراتيجيات الحالمة المزدحمة بالأرقام و الأوهام حيث لا تتجاوز ميزانيته عتبة 6% من الميزانية العامة للدولة, وذلك من خلال رصد مجموعة من  الاختلالات الميدانية، مرورا بواقع الممارسة المهنية اليومية لأطر الصحة العاملة والخصاص الكبير في الموارد البشرية، و كذا  معاناة المواطنين اليومية الناتجة عن سوء اشتغال و سير القطاع  و الناتج لامحالة عن قصور في النظام العام للصحة.

-الحق في التربية و التكوين

إن المغرب ومن خلال تأكيد التزاماته الدولية في هذا المجال من خلال النص الدستوري حيث نصت الفقرة الرابعة من الفصل 31 من الدستور المغربي  لسنة 2011 على أن “التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة و الدولة”، هو مطالب  باحترام الحق في التعليم وحمايته وإعماله طبقا لما ورد أعلاه،ومطالب كذلك بمساءلة ومحاسبة المسؤولين الفعليين عن الوضعية الكارثية للتعليم بالمغرب،

إن المتتبع لواقع التربية والتعليم والتكوين بالمغرب خلال سنة 2017 سيلاحظ بجلاء استمرار المشاكل البنيوية بهذا القطاع. فرغم تبني الدولة لمقاربة جديدة لإصلاح التعليم من خلال تبني ما يسمى بالرؤية الإستراتيجية 2015 – 2030فما زالت تصنيفاتنا ضعيفة على الصعيد الإقليمي والعالمي في مجال التربية والتعليم . فقد تديل المغرب مراتب غير مشرفة : المركز العاشر عربيًا، المركز رقم 77 في المؤشر العالمي لجودة التعليم الابتدائي، الصادر عن تقرير التنافسية العالمية لعام 2016-2017، ويقيس المؤشر جودة التعليم الأساسي، في 138 دولة حول العالم، بينهم 13 دولة عربية،

الحق في السكن اللائق :

إن واقع حال هذا الحق بالمغرب إلى حدود سنة 2017، يبين أن تمتع المواطنات و المواطنين بهذا الحق، والذي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، يشهد عدة ثغرات و اختلالات تتناقض مع المضمون الحقوقي لمفهوم الحق في السكن اللائق ،كما عرفته المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب و التي تسمو على التشريعات الوطنية وفق تعبير الدستور، كما يجب أن ينظر إليه كحق في العيش في مكان ما بأمان و سلام و كرامة من خلال  إمكانية الحصول عليه وصلاحيته وتوفره على البنيات و الخدمات و المواد و المرافق الأساسية…فما زلنا في العصبة نسجل اختلالات هيكلية في هذا المجال من قبيل استمرار الارتباك فيما يخص السياسة العمومية المتعلقة بالسكن، واستمرار عيش أكثر من مائة وعشرون  ألف أسرة (120.000)  في دور الصفيح في ظل سياسة فاشلة لتحسين ظروف ولوج الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى السكن اللائق، بسبب بطئ وثيرة تنفيذ البرنامج التنموي ” مدن بدون صفيح “، و تعثر برنامج إعادة تأهيل المباني الآيلة للسقوط هذه العملية التي اقتصرت فقط إلى حدود بداية سنة 2017  على 9275 بناية علما أن مجموع تلك البنايات المهددة يقدر ب 25 ألف و354 بناية . كما رصدنا استمرار المضاربات العقارية التي تعيق فئات واسعة من الوصول إلى سكن لائق. بالمقابل يتم تفويت أراضي في ملك الدولة للأعيان وكبار موظفي الدولة بأثمان بخسة،  وبالاحتيال والمناورة على مبادئ الدستور والقانون وخارج كل مشروعية، مع الاستمرار في الاستيلاء على أراضي من قبيل أراضي الكيش والأراضي السلالية وتشريد السكان اللذين كانوا يستفيدون من هذه الأراضي منذ سنين بعيدة ، وذلك من طرف مافيات ولوبيات عقارية في تواطؤ مباشر وغير مباشر مع السلطات العمومية خاصة وزارة الداخلية …

الحقوق اللغوية والثقافية والبيئية

بالنسبة للمغرب ، ورغم إقرار دستوره  بصيانة تلاحم و تنوع مقومات الهوية الوطنية بكل مكوناتها وروافدها في ظل التشبث بقيم الانفتاح و الاعتدال و التسامح و الحوار و التفاهم بين الحضارات و الثقافات. فإن واقع الحقوق اللغوية الثقافية في المغرب ما زال يشهد اختلالات عديدة  فاللغة الأمازيغية مثلا ، ورغم إقرار دستور 2011 في الفصل الخامس بأنها أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء ، ورغم المحاولات و الإجراءات النسبية التي قامت بها الدولة تجاه النهوض بالحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية من خلال الإعلام و التعليم، فإن وضعية هذه الحقوق لم تعرف أي تطور فعلي ملموس. ناهيك عن اختلالات ما زالت تعيق تمتع المغاربة بالحقوق الثقافية من قبيل ضعف ولوج المغاربة إلى الثقافة من خلال سياسة القرب والتجهيز الثقافي، وضمان الإشعاع الثقافي المغربي بالخارج.والمحافظة على الموروث الثقافي الوطني المادي وغير المادي، والصناعات الثقافية الذي يتعرض للنهب والسرقة .

أما على الصعيد البيئي  ورغم استحساننا لانخراط المغرب  مبكرا في دينامية مكافحة التغيرات المناخية عبر المصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية حول البيئة و إصدار رزنامة من القوانين و إطلاق مجموعة من المخططات و المبادرات البيئية و رغم وضع ميثاق وطني للبيئة و التنمية المستدامة والانخراط في الدينامية الدولية لحماية البيئة كما نص عليها الدستور في فصله 31 من خلال التأكيد على مجموعة من الحقوق الأساسية منها الحق في الحصول على الماء و العيش في بيئة سليمة و الحق في التنمية المستدامة و الحق في السكن اللائق ، فقد سجلت سنة 2017 استمرار عدم تطبيق سياسة عدم الإفلات والمحاسبة والعقاب في حق المتورطين في الفضيحة البيئية التي عرفها المغرب سنة 2016 والمتمثلة في  استيراد ألاف الأطنان من نفايات العجلات المطاطية  والبلاستيك  من إيطاليا. واستمرار خوصصة الخدمات العمومية من تعليم وصحة وماء مما يثقل كاهل الأجراء والفلاحين الصغار والفقراء بكلفتها المرتفعة. وتبني الدولة إستراتيجية للتنمية المستدامة  تتضمن آليات بناء اقتصاد أخضر يأخذ على عاتقه الإشكالات البيئية من منظور السوق ومن زاوية مصالح الرأسمال الذي يطمح إلى الرفع من مردوديته بالاستحواذ على قطاعات بعينها، منتقاة حسب ما تَعِد به من أرباح مستقبلية عالية دون أن يكون لذلك أي انعكاس إيجابي على الوضع الاقتصادي والبيئي بالمغرب أو على المساهمة في مكافحة التغيرات المناخية. كما أن نسجل تدهور وضعية الموارد المائية في المغرب، بتسجيل تراجع للثروات المائية الطبيعية، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، والتلوث، والاستعمال غير المعقلن للماء. إضافة إلى تواتر العديد من التظاهرات والاحتجاجات السلمية، لمواطنات ومواطنين، في مجموعة من المناطق  للمطالبة  بحقهم العادل والمشروع في الماء ( بأولاد زيدوح، وتاونات، وقرية أبا محمد، ومولاي يعقوب، وهرمومو، ومير اللفت، ووزان،وزمران،وقلعة السراغنة، والحوز،وشيشاوة، والأطلس المتوسط، وحيضرة التابعة لتراب مدينة الفنيدق، وخميس سيدي محمد بن رحال بقيادة أولاد بوزيري بإقليم سطات إضافة إلى انتفاضة الماء التي عرفتها منطقة زاكورة  في 8 أكتوبر 2017 …

بالنسبة للحقوق الفئوية

نسجل استمرار تردي الأوضاع العامة للمرأة المغربية وعدم تمتعها بكامل حقوقها، فالخطاب الرسمي للدولة حول النهوض بوضعية المرأة ومناهضة التمييز ضدها لا يترجم على أرض الواقع. ولعل مشروع القانون 103/13 الذي ترفضه كل المنظمات الحقوقية والحركات النسائية والذي غابت فيه النظرة التشاركية لكل المكونات المدافعة والمهتمة بحقوق المرأة. خير دليل على أن الدولة مازالت لا تتوفر على الإرادة السياسية الحقيقية للنهوض بأوضاع المرأة ناهيك عن استمرار قوانيننا الوطنية في الاحتفاظ بمواد تمييزية تكرس اللامساواة بين الجنسين عامة ، وحيفا واضحا اتجاه المرأة خاصة .

لقد شهدت سنة 2017  ردة حقوقية خطيرة من خلال سن تشريعات وقوانين تقضي على كل المكتسبات الحقوقية التي ناضلت من أجلها كل القوى الحقوقية التقدمية والسياسية والنقابية الديمقراطية.ولم تستجب هاته القوانين إلا لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
فقد اتبع المغرب في السنوات الأخيرة إجراءات خطيرة تقضي على الطبقة المتوسطة نهائيا وتلحقها بالطبقة الفقيرة المعدومة أصلا من خلال إلغاء صندوق المقاصة وتحرير الأسعار والإجهاز على الخدمات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة والتعليم وخوصصة ما تبقى القطاعات العمومية وتوقيف التوظيف وانتشار البطالة خاصة في صفوف النساء مما يعمق حالة البؤس والتهميش والهشاشة لديهن.كما أن تراجع النشاط الاقتصادي منذ الثمانينات من جراء برنامج التقويم الهيكلي والسياسات النيوليبرالية واتفاقات التبادل الحر التي عملت جميعها على تدمير فرص الشغل المتاحة للنساء بالقرى والمدن، وبالتالي حالت دون فتح ثغرة صغيرة في اتجاه استقلاليتهن المالية. إضافة إلى استمرار تنامي وارتفاع حالات العنف الجنسي ضد النساء، فقد أوضح التقرير الذي كشفت عنه وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في دجنبر  2017 أن العنف الجسدي يشكل أكثر أنواع العنف انتشارا ضد المرأة، سواء في الوسط الحضري أو القروي،

بالنسبة لحقوق الطفل خلصنا من خلال هذا التقرير إلى أنه لا تبدو أن هناك إرادة قوية من طرف الدولة لتعزيز جهودها في مجال مطابقة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتنفيذ ما التزمت به من توصيات أمام المنتظم الدولي، وخاصة أمام لجنة حقوق الطفل الأممية في جلستها، التي عقدت في 19 شتنبر 2014، بحكم  أن أوضاع الطفولة لم ترقى إلى الانتظارات والالتزامات التي وقع أو صادق عليها المغرب، خاصة  المواثيق والعهود الدولية التي لها علاقة بحقوق الطفل، وفي بلد تشكل فيه نسبة فئة السكان الأقل من 18 سنة 3،36 في المائة، فحسب التقرير السنوي الأخير لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة اليونسيف، الذي صنف المغرب في المراتب المتأخرة في مجال حماية الطفولة؛ لا سيما في مجالات الصحة، والولوج  إلى التعليم الابتدائي خاصة في القرى النائية، ومكافحة العنف ضد الأطفال، أشار إلى أن 20 بالمائة من الأطفال الذين ينحدرون من أسر فقيرة هم أكثر عرضة للمعاناة و الهشاشة

بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة ما زالت الوضعية تعرف تعثر وبطء سياسة الدولة في تحقيق العيش الكريم لهاته الفئة بسبب عجز السياسات الحكومية المتعاقبة على إحداث التغييرات الإيجابية في التعاطي مع مسألة الإعاقة بمقاربة شمولية سواء على مستوى البرامج والمخططات والتدابير التشريعية والآليات الكفيلة بأجرأتها .

بالنسبة للمهاجرين واللاجئين ، ورغم تبني الدولة المغربية لاستراتيجية ومخطط عمل  منذ بداية 2014، لاستيعاب هؤلاء وتسوية وضعيتهم، في إطار رؤية جديدة للسياسة الوطنية في مجال الهجرة ، فإن هذه الإستراتيجية – مع الأسف – لا تتبنى المقاربة الإنسانية في فلسفتها، ولا الشمولية في مضمونها، ولا المسؤولية في مقاربتها، كما تدعي الجهات المسؤولة .حيث أن معظم هؤلاء المهاجرين واللاجئين ما زالوا يعانون استمرار الانتهاكات الموجهة في حقهم من قبيل انتهاج وسائل قمعية تضرب عرض الحائط حقوقهم المنصوص عليها في العهود والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتخرق حتى القوانين والمساطر الوطنية . وتتجسد هذه الانتهاكات في استمرار التدخلات العنيفة ضد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء خاصة قرب المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، أو ترحيل العديد منهم إلى مناطق خلاء على الحدود المغربية الجزائرية , كما نسجل بطء تعامل الدولة مع قضية المغاربة اللذين تم اعتقالهم في ليبيا بسبب الهجرة السرية واللذين تم ترحيلهم مؤخرا بعد معاناة بسبب الاعتقال .

عن المكتب المركزي للعصبة

الرباط في : 30 ماي 2018

اترك تعليقاً