الرئيسية / أخر المستجدات / عندما لا يعمل العربي المشترك

عندما لا يعمل العربي المشترك

د. علي محمد فخرو/

في الآونة الأخيرة أصبح كل حدث كبير يلم بهذه الأمة، سواء أكان طبيعياً أو معنوياً، يكشف الكثير من المستور، ويشير إلى تراجعات مأساوية موجعة، ويحمل دلائل أخطار مستقبلية مقبلة. والسبب الواضح الصريح هو غياب أو تشتت المواجهة العربية المتضامنة المشتركة للتعامل مع تلك الأحداث الكبيرة، والتغلب على أسبابها أو نتائجها، وسواء أكان الحدث مقتصراً على قطر عربي واحد، أو على عدة أقطار أو على مجموع أقطار الوطن العربي كله، فإن التعامل يظل يدور في دائرة الغياب أو التشتت نفسها، من دون أن تطرح الجهات المعنية سؤال كيفية الخروج من تلك الدائرة العبثية.

في السنوات العشرين الماضية جرت أحداث كبرى، الحدث الأول تمثل في الهجمة الإرهابية التكفيرية، بمسمياتها وقياداتها وتمركزاتها المتعددة، المنسوبة زوراً إلى دين الإسلام الحنيف، التي استغلتها قوى استعمارية وصهيونية خارجية، فكانت وما زالت وبالاً على جميع المجتمعات العربية بصور متفاوتة. ترى لو أن أنظمة الحكم العربية، وعلى الأخص وزارات الداخلية، كونت منذ البداية استراتيجية أمنية وقانونية تعاونية لمواجهة تلك الهجمة، فهل كان بإمكان قواها الاستمرار في الوجود، في هذا القطر العربي أو ذاك، إلى يومنا هذا؟

لم يضع أعداء هوية العروبة الجامعة من الداخل والخارج إظهار الشماتة والاستهزاء بكل صوت آمن بوحدة هذه الأمة، وبقدرها المشترك، وبأخوتها العروبية والإسلامية والمسيحية

بدلاً من ذلك اختار كل نظام حكم أن يتعامل مع ذلك البلاء بصورة منفردة تخدم هذه الأقلية أو تلك، وتهدف إلى زعزعة هذا النظام أو ذاك، وأحياناً باستعانة وتناغم مشبوه مع حكومات واستخبارات أجنبية، تضمر العداء والكراهية لكل ما هو عربي، وبالتالي تتعامل مع موضوع الإرهاب بوجهين وقناعين كاذبين. والأمر نفسه انطبق على التعامل مع وباء كورونا، فبدلاً من أن يجتمع وزراء الصحة لوضع خطة وقائية وعلاجية مشتركة لمواجهة ذلك الوباء، انفرد كل قطر عربي بالاعتماد على إمكانياته المحلية المحدودة والمرتبكة، أو مد يد الاستجداء من هذه الدولة الأجنبية أو تلك. فكانت النتيجة موت الألوف غير المبرر، وتعثر الوقاية في هذا القطر أو ذاك، وعدم قدرة البعض حتى على شراء لقاحات التطعيم الكافية لمنع انتشار المرض. الآن، في لحظة حدوث الزلازل المدمرة في سوريا، نعود ونكرر الخطأ نفسه، فبدلاً من تنادي وزراء الصحة العرب ووزراء الشؤون الاجتماعية العرب لعقد اجتماع مشترك مع جمعيات الهلال العربية، من أجل وضع خطة مشتركة تعاونية لمد يد العون لشعب سوريا المنكوب المشرد، الذي لم يقصر قط في حق أي شعب عربي آخر واجه شتى صنوف المحن والصراعات، بدلاً من ذلك تعامل كل قطر عربي بشكل منفرد، وأحياناً بصور مخجلة باهتة متأخرة، فكانت النتيجة شعور الأشقاء في سوريا بالمرارة والخذلان وقلة الوفاء والمروءة من قبل هذا القطر أو ذاك. وبالطبع لم يضيع أعداء هوية العروبة الجامعة من الداخل والخارج هذه الفرصة لإظهار الشماتة والاستهزاء بكل صوت آمن بوحدة هذه الأمة، وبقدرها المشترك، وبأخوتها العروبية والإسلامية والمسيحية. من حق المواطن العربي أن يسأل: هل حقاً أن الكثيرين من المسؤولين العرب قد أصيبوا بعمى البصيرة، وبضعف الإرادة، وبموت مشاعر الالتزامات القومية، وبالاستسلام المذل للخارج، بحيث لا تحركهم أهوال مثل تلك الأحداث ليعودوا من جديد إلى طرق التضامن والتعاون والتنسيق في ما بين أقطار الوطن العربي التي يريد الاستعمار وتريد الصهيونية إغلاقها وسد منافذها إلى الأبد من أجل إبقاء هذه الأمة مجزأة وضعيفة ومريضة؟ في فترة قصيرة جداً تواجه هذه الأمة أحداثاً تستدعي المواجهة المشتركة فلا نجد أمامنا إلا عصف الريح وقلة الحيلة. يا شابات وشباب هذه الأمة احتفظوا بهذه الصور البشعة في وعيكم لتدركوا أن شعار وحدة هذه الأمة سيظل هو الخلاص من هذا البؤس الذي تعيشونه ومن أعاصير المستقبل.