الرئيسية / أخر المستجدات / هل تترهل الثقافة؟

هل تترهل الثقافة؟

د حسن مدن/

دعيت مرة للمشاركة في ما يشبه الاستطلاع الصحفي، يدور حول مفردتين أو مفهومين بدَوَا لي غريبين للغاية، هما «التشبع» و«الترهل»، الثقافيين. وللتوضيح، فقد كان السؤال الموجه هو: هل لدينا، في العالم العربي ترهل أو تشبع ثقافيان؟ وبدوت حائراً إزاء هذا السؤال، فما عساه يكون المقصود بالمفردتين، خاصة حين يتصل الأمر بالثقافة تحديداً. ولوهلة بدا لي أنهما تعطيان المعنى نفسه، فالأمران، أي التشبع أو الترهل، قد يعنيان أن منجزنا الثقافي مكتمل، لا بل وفائض عن الحاجة، حدّ ترهله، فلم تعد هناك مساحة تتسع للمزيد من الثقافة والفنون والفكر وما إليها من مجالات الإبداع والمعرفة، ونحن أبعد ما نكون عن ذلك.

نحن نعلم أن الثقافة حاجة متجددة لا نهاية لها، وهي تتغذى بالجديد والخلاق دائماً، وبالتالي ما من أمة عاقلة تتطلع إلى مستقبل أفضل يمكن أن تتحدث عن أنها بلغت كفايتها من الثقافة ولم تعد تحتاج إلى المزيد، بل بالعكس فهي تتطلع إلى المزيد والمزيد منها، لأن نهر الثقافة لا يكف عن التدفق أبداً طالما أن البشرية مستمرة في العيش على هذا الكوكب.

هذا من حيث المبدأ، لكن إذا تحدثنا عن التفاصيل المتصلة بواقعنا العربي تحديداً، فنحن أبعد ما نكون عن حال «التشبع» التي ربما يكون واضعو السؤال قد أومأوا إليها، بل بالعكس، فإن الثقافة عندنا ما زالت تعاني من التهميش، مع كامل التقدير للجهود التي تبذلها مؤسسات ثقافية رصينة في العالم العربي معنيّة بالتنمية الثقافية، وتكوين وعي جديد، لأننا ما زلنا نحتاج إلى المزيد من الجهود الرامية لتطوير الثقافة وتعميمها على أوسع نطاق، وتنشئة الأجيال الجديدة على حبها وولوج عوالمها الرحبة.

حين نتحدث عن التنمية عامة، الشاملة والمستدامة، يتعين علينا أن نضع في مقدمة اعتباراتنا أنه يجب أن يكون للثقافة والتنمية الثقافية حصة كبيرة فيها، لا بل وأن تمنح مكانة متقدمة في تلك التنمية بمفهومها الواسع، وهذا ما يتعين العمل في سبيله، لا لكي نبلغ مرحلة «التشبع» وإنما لكي نجعل شريان الثقافة متدفقاً، من أجل أن تصبح حياتنا أجمل وأكثر بهاء، ومن ناسنا أكثر معرفة وأغنى ذائقة، وأعمق عطاء.

وحين يتصل الأمر بوجود الترهل بالذات، فإنه يمكن الرد بالإيجاب، فما أكثر المفاهيم التي ما زالت رائجة، وتبعث فيها الحياة بين الحين والآخر، كلما أوشكت على الموت، رغم ترهلها وعجزها عن مواكبة جديد المعرفة والعلم.

 

[email protected]