الرئيسية / أخر المستجدات / هل يحمي القانون الدولي الإنساني الشعب الفلسطيني؟

هل يحمي القانون الدولي الإنساني الشعب الفلسطيني؟

يعتبر الكيان الغاصب لأرض فلسطين الاحتلال الأكثر دموية في التاريخ الحديث لما اقترفه وما زال يرتكبه من تقتيل وإبادة وتشريد للشعب الفلسطيني وما تمثله جرائمه الشنيعة من انتهاكات جسيمة للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وللقيم الإنسانية بوجه عام، وتتواصل هذه الانتهاكات والجرائم على امتداد 75 سنة دون توقف، وما يحدث حاليا على أرض فلسطين وفي قطاع غزة على الخصوص هو تصعيد خطير في التحدي السافر للقانون الدولي الإنساني في جملته وتفاصيله.

ولمقاربة الموضوع لابد في البداية من التعريف بالقانون الدولي الإنساني وأهدافه، وبيان الأساس الذي انبنى عليه الكيان الصهيوني.

أ – مدلول القانون الدولي الإنساني:

هناك عدة تعريفات موضوعة من طرف خبراء وباحثين في القانون الدولي الإنساني تتقاطع وتتكامل ولا مجال لاستعراضها وإنما نستخلص منها بأن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف لحماية المدنيين وغير المشاركين في القتال من ويلات النزاعات المسلحة وتقييد الأساليب والوسائل المستعملة في في هذه الحروب لأسباب إنسانية، وتتكون مصادره الأساسية من اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبروتوكولات الملحقة بها، ومن أهم مقتضياتها بالنسبة لموضوعنا الحماية الواجبة للمدنيين ومعاملة الأسرى وحماية المستشفيات والطواقم الطبية وأماكن العبادة والمنشآت الثقافية.

وإذا كان من الناحية النظرية يُفترض أن يضمن القانون الدولي الإنساني الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت نير احتلال عنصري إرهابي فإن الواقع الذي يشاهده العالم بعيد كل البعد عن الجانب النظري حيث يواجه القانون تحديات جمة في التطبيق ونرى اليوم كيف أن الشعب الفلسطيني يعاني من كل أشكال الممارسات التي يحظرها ويجرمها القانون الدولي الإنساني كما سنرى.

ب – الكيان الصهيوني قام على انتهاك القانون الدولي الإنساني:

إن الكيان الصهيوني في أساسه قام على الانتهاك الجسيم لقواعد القانون الدولي الإنساني لأنه بني على قتل المدنيين الأبرياء وعلى حرب الإبادة الجماعية لأصحاب الأرض الشرعيين التي يحتلها بالقوة وانتهاك حرمات المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، والفصل العنصري والمعاملة غير الإنسانية للأسرى.

ولا بأس من التذكير هنا بأنه في إطار البحث عن مَوْطِئ قدم دائم للاستعمار الغربي في منطقة الشرق العربي جاءت الجريمة البريطانية التي بدأت بوعد بلفور بإعطاء اليهود « وطنا قوميا » في فلسطـين وعُرف هذا الوعد المشؤوم بأنه « وعد من لا يملك لمن لا يستحق » والذي كان خطوة نحو تنفيذ المخطط الصهيوني بتواطؤ ودعم من القوى الاستعمارية الغربية فجاء قيام الكيان الصهيوني في إطار غصب أرض فلسطين وقتل وإبادة وتشريد الفلسطينيين؛ وبالتالي فإن وجود الكيان الغاصب انبنى في أساسه على أفعال يجرمها القانون الدولي الإنساني.

ويسجل التاريخ أن جرائم الحرب المرتكبة من طرف قوات الاحتلال على أرض فلسطين كثيرة ومتعددة حيث اقترن اغتصاب الأراضي الفلسطينية بتدمير القرى العربية على رؤوس سكانها وقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ والتهجير القسري لآخرين باستعمال كل وسائل الإرهاب والبطش والعنف الهمجي لاقتلاعهم من أرضهم وأرض أجدادهم. وعندما تم الإعلان عن قيام « دويلة » الصهاينة  في الخامس عشر من ماي 1948 جعلت القتل والتخريب وسيلتها ومنهجها لتثبيت وجودها على الأرض المغصوبة دونما اعتبار لمبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني، مستقوية بما يوفره لها الغرب الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من دعم وحماية.

وحالات الانتهاكات الجسيمة لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني كثيرة ومتنوعة وممتدة على الأرض وفي الزمن مما يتعذر معه الإحاطة بها في وقت وجيز، وسأحاول أن أستعرض بإيجاز شديد ثلاث أمثلة وهي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية:

  • جرائم الحرب:

يعرف ميثاق محكمة نرنبرغ العسكرية الدولية عام 1945 جرائم الحرب بأنها انتهاك قوانين الحرب وأعرافها بما في ذلك القتل أو المعاملة السيئة أو الترحيل على شكل عمالة أو رقيق أو لأي غرض آخر للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وفيما يلي أشير لبعض الأمثلة على جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال في مواجهة الفلسطينيين:

  • القتل الممنهج للمدنيين:

منذ ابتلاء الشعب الفلسطيني باحتلال أرضه وهو يعاني من المجازر الرهيبة التي يذهب ضحيتها المدنيون بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وخاصة المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 التي تنص على تحريم كافة أشكال الاعتداء على حياة وأمن المدنيين والاعتداء على الحق في الحياة خارج القانون، والمادة 53 من نفس الاتفاقية التي تحظر على دولة الاحتلال تدمير أي ممتلكات خاصة أو ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات. ومن بين المجازر التي انتهكت بشكل خطير هذه الأحكام يمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى:

مجزرة بلدة الشيخ ( 31 دجنبر1947 ) ومجزرة دير ياسين(9 أبريل1948) ومذبحة كفر قاسم (29أكتوبر1956) ومجزرة خان يونس (3نونبر1956) ومذبحة صبرا وشاتيلا (17شتنبر1982) ومجزرة المسجد الأقصى (8أكتوبر1990) ومذبحة الحرم الإبراهيمي (25 فبراير 1994)  و مجزرة مخيم جنين (29 مارس ـ 9أبريل 2002) …ولم يتوقف الإجرام الصهيوني على امتداد سنوات الاحتلال.

وتشهد غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي أشرس وأعنف جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني فقد تم إلقاء أزيد من 35 ألف طن من المتفجرات على سكان غزة واستشهد أزيد من 11 ألف من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء.

  • استهداف المستشفيات والطواقم الطبية:

بمقتضى المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 فإنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية الصحية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، وتؤكد المادة 19 عدم جواز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات، غير أن قوات الاحتلال لا تعبأ كعادتها بالقانون وتمارس همجيتها بالقصف المتعمد للمستشفيات حيث يستشهد المرضى والجرحى والأطباء ومساعدي الخدمات الطبية وأضحت جل المستشفيات بغزة خارج الخدمة مما يضاعف عدد القتلى في صفوف المدنيين.

ج – قتل الصحفيين:

استهداف الصحفيين الذين ينقلون الأحداث في أي نزاع مسلح محظور وفق القانون الدولي الإنساني الذي يضمن حمايتهم من خلال عدة نصوص منها المادة 13 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 والمادة 81 من اتفاقية جنيف لعام 1929، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين والبروتكولين الإضافيين لعام 1977، غير أن جيش الكيان الغاصب لا يتورع عن توجيه نيرانه لكل صحفي يفضح جرائمه البشعة وقبل الحرب الأخيرة على غزة نتذكر اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة وفي الحرب القذرة التي يشنها جيش الاحتلال على سكان غزة استشهد 49 صحفيا كما استشهد الصحفي عصام عبد الله في الغارات الصهيونية على جنوب لبنان.

وأكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن “جرائم الاغتيال التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين عامة والصحفيين والإعلاميين بشكلٍ خاص، تعكس دمويته وإرهابه المنظم بحق الصحفيين الفلسطينيين، حيث القتل والاعتقال والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحفية الفلسطينية ولمنازل الصحفيين بشكلٍ متعمد”.

وأقرت منظمة “مراسلون بلا حدود، ” بإن الصحفيين والضحايا الذين قضوا أو أصيبوا في الهجمات على غزة ترقى إلى جرائم حرب”.

  • الجرائم ضد الإنسانية:

كل الهجومات في شكل غارات للطيران التي يذهب ضحيتها المدنيون أو الحصار الظالم على غزة أو الفصل العنصري أو غير ذلك مما تقوم به قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفق المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولا يتسع المجال للخوض في أصناف هذه الجرائم وسأقتصر على ثلاث أمثلة:

أ -الحصار على غزة:

تفرض سلطات الاحتلال حصارا مجحفا على قطاع غزة منذ سنة 2006 ويعتبر وفقًا للقانون الدولي الإنساني، جريمة ضد الإنسانية باعتباره تهديدا لحياة المدنيين بحرمانهم من السلع والخدمات الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، ويصنف كأحد مظاهر العقاب الجماعي الذي تجرمه المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والفقرة الأخيرة من المادة 50 من نفس الاتفاقية والقاعدة رقم 103 من القانون الدولي الإنساني العرفي.

ومما زاد في جسامة وخطورة انتهاك النصوص القانونية المشار إليها ما حصل في الحرب الأخيرة على غزة من قطع للماء والكهرباء والانترنيت، ومنع وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية للمحاصرين في القطاع، واستهداف قوافل المساعدات الطبية والإنسانية من طرف آلة الحرب الصهيونية.

ب – الفصل العنصري نظام (الأبارتهايد):

وتعني كلمة (أبارتهايد) في لغة الأفريكانو (وَضَعَهُ جانبا، أو نَبَذهُ) مع ما يحمله ذلك من معاني النبذ والتهميش والإلغاء وحتى الاحتقار. وساد هذا المفهوم أدبيات الحياة السياسية في جنوب أفريقيا في أواسط عقد أربعينيات القرن العشرين، وكان من المفروض أن تتخلص منه الإنسانية بشكل نهائي في زمن تنتشر فيه أدبيات وشعارات الحقوق والحريات الأساسية لكل كائن بشري بصفته كإنسان وليس لفصائل معينة من البشر.

ونظام (الأبارتهايد) الذي ساد جنوب إفريقيا من العام 1948 إلى العام 1991، هو نفس النظام الذي ما زالت تفرضه بالقوة سلطات الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد الفلسطينيين.

ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في سبتمبر 2002 يعرف التمييز العنصري بأنه “أي فعل غير إنساني يرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أي جماعة أو جماعات عرقية أخرى، ويرتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.” وتصنفه المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضمن الجرائم ضد الإنسانية.

وهناك عدة مواثيق دولية تحظر كل أشكال الفصل العنصري والميز على أساس العرق أو الدين أو اللون أو الجنس، نذكر منها:

  • الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المؤرخة في 21 دجنبر 1965، والتي تتعهد الدول بمقتضاها بمنع وحظر العزل والفصل العنصري واستئصال كل الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها (المادة2).
  • الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها المؤرخة في 30 نونبر 1973 والتي يعلن أطرافها تجريم المنظمات والمؤسسات والأشخاص الذين يرتكبون جريمة الفصل العنصري، وتمنع اتخاذ أي تدابير تشريعية أو غيرها بقصد منع فئة أو فئات عنصرية من حقوق المواطنة.

ج _ المعاملة اللا إنسانية للأسرى:

يعتمد كيان الاحتلال الصهيوني الاعتقال وسيلةً للقمع والتعذيب والعقاب الجماعي لقهر الفلسطينيين والسيطرة عليهم، فطال كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني، حتى أضحى الاعتقال، بأشكاله المختلفة، سلوكاً ممنهجاً وظاهرة يومية في التعامل مع الشعب الفلسطيني.

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بما يلحق بالعدد الكبير من المعتقلين من أذى وضرر جسدي ونفسي، جرّاء ظروف الاحتجاز القاسية وما يُمارَس بحقهم من تعذيب وإهمال طبي وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بل لجأت كذلك وبشكل ممنهج إلى عدم توفير حاجات المعتقلين الأساسية من ملبس ومأكل ومشرب وأغطية وعلاج، وحرمانهم من تلقي ما يسد حاجاتهم عن طريق الأهل أو المؤسسات المختصة، إلا ما ندر. واستمرت في تنصّلها من تحمل أعباء سجنهم، بما يخالف القانون الدولي الإنساني بشكل صارخ، ولا سيما المواد (25-26-27) من اتفاقية جنيف الثالثة، و(85-89-90) من اتفاقية جنيف الرابعة.

وتحدث تقرير لمنظمة العفو الدولية “أمنيستي عن حالات تعذيب “مروعة” ومعاملة مهينة للأسرى الفلسطينيين، منذ عملية طوفان الأقصى، وسط تصاعد وتيرة الاعتقالات التعسفية، وأن عدد المعتقلين الفلسطينيين منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي- بلغ أكثر من 2200 من نساء ورجال.

وتوجد في الكيان الغاصب حالات من الاعتقال الشاذ عن كل القواعد المتعارف عليها في هذا المجال ألا وهو ما يسمى بالاعتقال الإداري الذي يتم دون توجيه أي تهم ودون إجراء أي محاكمة ويمكن أن يستمر للعديد من السنوات.

ونقلت أمنيستي عن منظمة من داخل كيان الاحتلال نفسه أنه في الفترة ما بين الأول من أكتوبر الماضي والأول من نوفمبر الجاري، ارتفع إجمالي عدد الفلسطينيين المحتجزين رهن الاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة، من 1319 إلى 2070.

  • جريمة الإبادة الجماعية:

تُعرف الإبادة الجماعية بأنها التدمير المقصود الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية وفق المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المؤرخة في 9 ديسمبر 1948. والإبادة الجماعية تعد من أخطر الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفق المادة 6 من النظام الأساسي لهذه المحكمة.

والممارسات التي ينهجها الاحتلال الصهيوني بالأراضي الفلسطينية منذ نكبة 1948، ومرورا بنكسة 1967، والمذابح المرتكبة على امتداد الأراضي الفلسطينية والحرب الوحشية الحالية على غزة.. تفيد أن هذا الاحتلال ليس استعمارا عاديا مثل الذي شهدته دول عربية وإفريقية وآسيوية وإنما هو احتلال استيطاني يقوم على اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وإقامة كيانه كبديل للدولة الأصلية وهي فلسطين، ولتحقيق هدفه ومخططه يعمل على إبادة شعب فلسطين بالقتل والتهجير والتشريد ومحو كل معالم وجوده وهويته.

منطق القوة وتعطيل أحكام القانون

واستنادا لمنطق القوة تواصل آلة الحرب الصهيونية جرائمها وتحديها بشكل سافر لأحكام القانون الدولي الإنساني الذي يتعطل مفعوله في حماية الشعب الفلسطيني حيث يتم إهدار أرواح المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يتمسكون بحقهم في العيش بأرضهم وأرض أجدادهم، ويتم إطلاق الرصاص الحي على الأطفال والشباب الفلسطينيين في انتفاضاتهم ضد الاحتلال، والاعتداء على المقدسات الدينية وتغيير المعالم التاريخية والاعتداء على الوحدات الطبية وإعاقة عملها في إسعاف الجرحى واغتيال عشرات القادة الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وخارجها، وتقييد حرية التنقل في الضفة الغربية وإقامة جدار الفصل العنصري، وتتواصل الاعتداءات على غزة بالقصف الجوي والبري والبحري مما يؤدي لسقوط أعداد هائلة من الشهداء في صفوف المدنيين وتخريب العمران بما فيها من مدارس ومستشفيات وأماكن العبادة ولا تتوقف عمليات القتل وتخريب البيوت وانتزاع الأراضي من أصحابها لبناء المستوطنات للصهاينة المحتلين.

وكل المحاولات التي تبذلها المنظمات الدولية ذات الأهداف الحقوقية والإنسانية كمنظمة العفو الدولية، والصليب الأحمر الدولي، أو اللجن التي تشكلها منظمة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في الأراضي المحتلة، تعترض عليها السلطة العسكرية الصهيونية وترفض أي تعاون مع أي مبادرة للتدخل سواء كان يهدف إلى كشف الحقائق أو كان له بعد إنساني يرمي للحد من الآلام التي تخلفها العمليات العسكرية أو إسعاف الجرحى.. وترفض حكومة الكيان الغاصب الاعتراف بان اتفاقية جنيف الرابعة (الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب) تنطبق على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الموقف الذي اعتبرته منظمة الصليب الأحمر الدولي المعروفة بحيادها يتعارض مع أحكام القانون الدولي الإنساني، مما يعني الإصرار على الانتهاك المقصود لهذا القانون وتعطيل أحكامه.

ومن المؤسف أن موازين القوى على المستوى الدولي تخدم مصالح القوى العظمى الداعمة للكيان الصهيوني على حساب قواعد القانون الدولي ومبادئ العدل والإنصاف، ومنظمة الأمم المتحدة نفسها تهيمن عليها قوى الطغيان الدولي التي تجسد الاستعمار بأشكاله الجديدة والتي تدعم بقوة الكيان الغاصب لأرض فلسطين مما يعطي الضوء الأخضر لقوات الاحتلال لمواصلة اعتداءاتها وانتهاكاتها دون اكتراث بالقيم الإنسانية التي جاء القانون الدولي الإنساني لحمايتها خلال النزاعات المسلحة ويجعل مجرمي الحرب الصهاينة في مأمن من العقاب، وهذا يفسر تعنت وغطرسة سلطات الاحتلال وتحديها للقانون الدولي وللمنظمات الدولية.

التمزق والتبعية في الصف العربي والإسلامي يجعله دون مستوى مسؤوليته التاريخية

ولو كان الصف العربي والإسلامي موحدا في كلمته ومستقلا في مواقفه عن القوى الاستعمارية، لكان باستطاعته أن يعزل كيان الغصب والاحتلال وأن يفرض عقوبات سياسية واقتصادية على القوى الدولية الداعمة له، وأن يمارس الضغوط اللازمة لفرض احترام المواثيق الدولية ومنها القانون الدولي الإنساني، والاضطلاع بمسؤوليته التاريخية في ضمان  الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني ودعم نضاله المشروع  من أجل تحرير أرضه من الاحتلال واستعادة حقوقه الوطنية المغصوبة، غير أن هذا الصف، رغم إمكاناته الهائلة، فهو يعاني من التمزق والتشرذم بسبب التبعية للقوى الداعمة للكيان الصهيوني والانصياع المهين لعدد من الحكام للتطبيع مع المجرمين القتلة، وتغييب إرادة الشعوب التواقة للتحرر من كل أشكال التبعية والمهانة.

ومن خلال ما أسفر عنه مؤتمر القمة العربي الإسلامي يتبين مدى ضعف وتخاذل الأنظمة الرسمية وعدم قدرتها على التصدي لشركاء كيان الإجرام أو اتخاذ أي تدابير ملموسة لإيقاف الغطرسة الصهيونية والدعم الاستعماري لها.

ولا يبق للشعب الفلسطيني سوى حقه المشروع في مقاومة الاحتلال الصهيوني الإرهابي العنصري وفضح الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال تدعمه الشعوب وأحرار العالم وكل القوى المحبة للسلام الذي لا يمكن استتبابه إلا على أساس العدل والإنصاف وإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

15 نوفمبر 2023