الرئيسية / دراسات / انتهاكات الكيان الصهيوني للقانون الدولي الإنساني

انتهاكات الكيان الصهيوني للقانون الدولي الإنساني

يعتبر الكيان الغاصب لأرض فلسطين الاحتلال الأكثر دموية في التاريخ الحديث لما اقترفه وما زال يرتكبه من تقتيل وإبادة وتشريد للشعب الفلسطيني وما تمثله جرائمه الشنيعة من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وسنقتصر في هذه العجالة على الجانب المتعلق بانتهاكات القانون الدولي الإنساني، علما بأنه يصعب الإحاطة بكل حالاتها الكثيرة والمتنوعة والمرتكبة على امتداد سبعين سنة دون أن تتوقف. وقبل عرض بعض الأمثلة عن الجرائم الصهيونية في فلسطين المحتلة لابد من التعريف بالقانون الدولي الإنساني وأهدافه، وبيان الأساس الذي انبنى عليه الكيان الصهيوني.

مدلول القانون الدولي الإنساني:

هناك عدة تعريفات موضوعة من طرف خبراء وباحثين في القانون الدولي الإنساني تتقاطع وتتكامل؛ ومنها تعريف عامر الزمالي الذي عرَّفه بأنه « فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح بما ينتج عن ذلك النزاع من آلام كما تهدف إلى حماية الأموال التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية »(1)، ويعرفه أحمد أبو الوفا بأن « القانون الدولي الإنساني ـ من إسمه ـ يشمل مجموعة القواعد التي تهدف إلى جعل الحرب أكثر إنسانية، سواء بين الأطراف المتحاربة أو بالنسبة إلى الأشخاص غير المنخرطين في النزاع المسلح، أو بخصوص الأعيان والأهداف غير العسكرية »(2)، ويمكن أن نستخلص بأن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف للحماية من ويلات الحروب وتقييد استخدام أساليب ووسائل القتال لأسباب إنسانية، وتتكون مصادره الأساسية من اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبروتوكولات الملحقة بها، ومن أهم مقتضياتها بالنسبة لموضوعنا الحماية الواجبة للمدنيين وحماية ضحايا الحرب ومعاملة الأسرى وحماية أماكن العبادة والمنشآت الثقافية.

الكيان الصهيوني قام على انتهاك القانون الدولي الإنساني:

ومن المدلول العام للقانون الدولي الإنساني يتبين أن الكيان الصهيوني في أساسه قام على الانتهاك الجسيم لقواعد هذا القانون لأنه بني على قتل المدنيين الأبرياء وعلى حرب الإبادة الجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني وانتهاك حرمات المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، والمعاملة غير الإنسانية للأسرى.

ولا بأس من التذكير هنا بأنه في إطار البحث عن مَوْطِئ قدم دائم للاستعمار الغربي في منطقة الشرق العربي جاءت الجريمة البريطانية التي بدأت بوعد بلفور بإعطاء اليهود « وطنا قوميا » في فلسطـين(3) وعُرف هذا الوعد المشؤوم بأنه « وعد من لا يملك لمن لا يستحق » والذي كان خطوة نحو تنفيذ المخطط الصهيوني بتواطؤ ودعم من القوى الاستعمارية الغربية فجاء قيام الكيان الصهيوني في إطار غصب أرض فلسطين وقتل وإبادة وتشريد أصحاب الأرض الشرعيين؛ وبالتالي فإن وجود الكيان الغاصب انبنى في أساسه على أفعال يجرمها القانون الدولي الإنساني.

ويسجل التاريخ أن جرائم الحرب المرتكبة من طرف قوات الاحتلال في فلسطين كثيرة ومتعددة حيث اقترن اغتصاب الأراضي الفلسطينية بتدمير القرى العربية على رؤوس سكانها وقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ والتهجير القسري لآخرين باستعمال كل وسائل الإرهاب والبطش والعنف الهمجي لاقتلاعهم من أرضهم وأرض أجدادهم. وعندما تم الإعلان عن قيام « دويلة » الصهاينة  في الخامس عشر من ماي 1948 جعلت القتل والتخريب وسيلتها ومنهجها لتثبيت وجودها على الأرض المغصوبة دونما اعتبار لمبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني، وتجاوز جيشها بشكل سافر أبسط القيم والمبادىء الإنسانية، وذلك فضلا عن الامتناع المتواصل عن تنفيذ القرارات الأممية حتى المجحفة منها بحق الشعب الفلسطيني.

أمثلة من مذابح الاحتلال الصهيوني:

ومن بين المجازر الرهيبة التي تعرض لها المدنيون في فلسطين على يد قوات الاحتلال والتي تعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني وخاصة المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 التي تنص على تحريم كافة أشكال الاعتداء على حياة وأمن المدنيين والاعتداء على الحق في الحياة خارج القانون، والمادة 53 من نفس الاتفاقية التي تحظر على دولة الاحتلال تدمير أي ممتلكات خاصة أو ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات. ومن بين المجازر التي انتهكت بشكل خطير هذه الأحكام يمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى:

مجزرة بلدة الشيخ ( 31دجنبر1947 ) حيث قامت العصابات الصهيونية المسلحة باقتحام قرية بلدة الشيخ (يطلق عليها اليوم اسم تل غنان) وقتلت من السكان المدنيين العزل نحو 600 شهيد. (4)

مجزرة دير ياسين(9 أبريل1948) على يد الجماعتين الصهيونيتين: الآرغون (التي كان يتزعمها مناحيم بيجين، رئيس وزراء الكيان الغاصب فيما بعد) وشتيرن ليحي (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة وتمت مداهمة قرية دير ياسين ليلا وشرعت عصابات الإجرام الصهيوني بقتل كل من وقع في مرمى أسلحتها. وبعد ذلك أخذوا بإلقاء القنابل داخل منازل القرية لتدميرها على من فيها، وقتل كل من بقي حيا داخل المنازل المدمَّرة. وانتهت المجزرة بجمع كل من بقي حيا من أهالي القرية حيث أطلقت عليهم النيران لإعدامهم أمام الجدران، وقد استشهد ما يناهز 360 فلسطينيا معظمهم من الشيوخ  والنساء والأطفال (5) .

مجزرة قرية أبو شوشة (15ماي1948) هاجمت وحدة من لواء جفعاتي القرية وحاصرتها من كافة الجهات، ثم قصفتها بمدافع الهاون  وبقذائف المورتر، ودخلت القرية وسط إطلاق كثيف للنيران نحو السكان، وقامت بتفجير بعض منازل القرية بالديناميت. وأسفر الهجوم عن سقوط 60  شهيدا.(6)

مجزرة الطنطورة (22 ماي1948) استهدف الجيش الصهيوني القرية ليلا بقصفها من البحر قبل عملية المداهمة على يد جنود الكتيبة 33 من لواء الكسندروني من جهة الشرق في نفس الليلة، وتواصل الهجوم حتى تمكنوا من احتلالها في اليوم التالي وبدأت المجزرة بحق أهالي القرية غداة احتلالها مباشرة بإطلاق النار على السكان في الشوارع ودفن الجثث في مقابر جماعية (7)

مجزرة قبية (14أكتوبر1853) اقتحمت قوات الاحتلال بقيادة أرييل شارون قرية قبية وهي تطلق النار من مدافع الهاون مما أجبر السكان على البقاء في بيوتهم بعد ذلك أخذت الوحدة تتنقل من بيت إلى آخر في شكل عملية حربية داخل منطقة مدنية، تم فيها إلقاء القنابل داخل البيوت، وإطلاق النار عشوائيا عبر الأبواب والنوافذ المفتوحة، وإطلاق النار على كل من يحاول الفرار، بعد ذلك قام المظليون بنسف البيوت فوق رؤوس سكانها، وقد قدر عدد البيوت التي نسفت في هذه العملية ستة وخمسون منزلاً، بالإضافة إلى مسجد ومدرستين وخزان مياه. وسقط في هذه المجزرة حوالي 67 شهيدا ومئات الجرحى. (8)

مجزرة قلقيلية (10أكتوبر1956) هاجمت العصابات الصهيونية القرية مستخدمة كافة أنواع الأسلحة بدايةً بالسلاح الابيض ثم الرصاص من بنادق اوتوماتيكية ثم مواد ناسفة وضعت في زوايال مركز القرية وبعدها أطلقت قذائف الدبابات وسقط 65 شهيدا، وشارك في هذه المذبحة أشخاص أصبحوا قادة في جيش الاحتلال مثل اسحاق رابين وموشيه ديان وغيرهما (9)

مذبحة كفر قاسم (29أكتوبر1956) جاءت متزامنة مع العدوان الثلاثي على مصر التي قُتل فيها 49 مدنيا فلسطينيا من الرجال والأطفال والنساء خلال هجوم لجيش الاحتلال الذي فرض حظر التجول في القرية، وقد انطلق أطفال وشيوخ لإبلاغ الشبان الذين يعملون في الأراضي الزراعية المجاورة بحظر التجول، غير أن قوات الجيش المرابطة خارج القرية عمدت إلى قتلهم بدم بارد كما قتلت من عاد من الشبان قبل وصولهم إلى داخل القرية (10).

وقد جاء في قصيدة لمحمود درويش حول مذبحة كفر قاسم

« إملأ الدنيا هتافا لا يساوم

كفر قاسم

كفر قاسم

كفر قاسم

دمك المهدور ما زال

وما زلنا نقاوم »

مجزرة خان يونس (3نونبر1956) هاجم جيش الاحتلال مخيم اللاجئين الفلسطينيين في خان يونس جنوبي قطاع غزة وبدأت المجزرة بتوجيه نداء بمكبرات الصوت من على مركبات الاحتلال العسكرية وطائراتهم الحربية بخروج جميع الشبان والرجال من سن 16 عاماً وحتى سن الخمسين وقامت باقتيادهم إلى الجدران ثُم أطلقت عليهم النيران دفعة واحدة من أسلحة رشاشة سقط على أثرها مئات القتلى في يوم واحد وقد تواصلت هذه المجزرة حتى الثاني عشر من شهر نوفمبر 1956:

وبعد تسعة أيام من هذه المجزرة البشعة قامت وحدة من الجيش الصهيوني بمذبحة وحشية أخرى ذهب ضحيتها نحو 275 شهيدا من المدنيين في نفس المخيم، كما قتل أكثر من مائة فلسطيني آخر من سكان مخيم رفح للاجئين في نفس اليوم (11).

مذبحة صبرا وشاتيلا (17شتنبر1982) قام جيش الاحتلال ترافقه المجموعات الانعزالية اللبنانية العميلة بضرب حصار على مخيمي صبرا وشاتيلا، وهما مخيمين للاجئين الفلسطينيين بلبنان، ودخلت ثلاث فرق إلى المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين من بينهم أطفال في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم، ونساء حوامل بقرت بطونهن ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، ورجال وشيوخ ذبحوا وقتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره! نشروا الرعب فى ربوع المخيم وتركوا ذكرى سوداء مأساوية وألما لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجا من أبناء المخيمين (12).

وفي محاولة للتغطية على هذه الجرائم البشعة أحكمت الآليات الصهيونية إغلاق كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يسمح للصحفيين ولا مندوبي وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء عمليات القتل الوحشي ليكتشف العالم وقوع أبشع المذابح في تاريخ البشرية مخلفة في مكان العمليات جثثا مذبوحة بلا رؤوس ورؤوسا بلا أعين و رؤوسا أخرى محطمة وما يناهز 3000 جثة ما بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبنـاء الشعب اللبناني. وأمام الاستنكار القوي للرأي العام العالمي حاول قادة الاحتلال التملص من الجريمة، وتم تشكيل لجنة خاصة للتحقيق فيما جرى أسفرت عن تحميل المسؤولية المباشرة، لوزير الحرب أرييل شارون الذي استقال دون أن ينال أي عقاب (13).

وقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة المجزرة ووصفتها بالإبادة الجماعية التي يجرمها القانون الدولي(14) وتنص المادة 1 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948 على أن « الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي.. » ومن المعلوم أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم (15).

مجزرة المسجد الأقصى (8أكتوبر1990) حاول متطرفون يهود وضع حجر الأساس لهيكل مزعوم في ساحة الحرم القدسي وتصدى لهم أهالي القدس لمنعهم من المساس بالمسجد الأقصى، مما أدى إلى وقوع اشتباكات بين المصلين الفلسطينيين وجنود الاحتلال الذين أخذوا يطلقون النار على المصلين دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 21 شهيدا وجرح أكثر من 150 منهم، كما تم اعتقال 270 شخصا داخل وخارج الحرم القدسي الشريف الذي اعتبرته منظمة اليونسكو تراثا إسلاميا خالصا(16)، ويعتبر المساس بالمسجد الأقصى انتهاكا للمادة 53 من بروتوكول جنيف الأول للعام 1977 والتي حظرت الأعمال الموجهة ضد أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، كما اعتبرت المادة 8/ب من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية من قبل جرائم الحرب.

مذبحة الحرم الإبراهيمي (25 فبراير 1994) اقتحم باروخ غولدشتاين ومجموعة من المستوطنين الصهاينة المسجد الإبراهيمي وقت صلاة الفجر، وحينما سجد المصلون فتح غولدشتاين نيران سلاحه الرشاش على المصلين، وساعده من كانوا معه في تعبئة الذخيرة التي احتوت رصاص « دمدم » المتفجر. واخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم لتصيب أكثر من ثلاثمائة وخمسين منهم(17).

وعند تنفيذ المذبحة قام جنود الاحتلال الإسرائيلي الموجودون في الحرم بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وفي المقابل أثناء تشييع جثث الشهداء، وقد راح ضحية هذه الجريمة نحو 50 شهيدا قتل 29 منهم داخل المسجد(18).

وفي 18 مارس/آذار 1994، صادق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين مجزرة الحرم الإبراهيمي، ويدعو لاتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين بما فيها نزع سلاح المستوطنين (19)، لكن القرارات الأممية بالنسبة للكيان المحتل تبقى مجرد حبر على ورق.

مجزرة مخيم جنين (29 مارس ـ 9أبريل 2002) شرع جيش الاحتلال الصهيوني في 29 مارس بحملة عسكرية احتل فيها العديد من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وبعد أسبوعين من حصار مخيم جنين واندلاع قتال عنيف بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي قادها رئيس الأركان (شاؤول موفاز)، لم يعد من سبيل أمام جيش المحتلين الغاصبين للقضاء على هذه المقاومة سوى هدم المخيم على رؤوس ساكنيه وبعد نفاذ ذخيرة المقاومين الفلسطينيين باشرت القوات المحتلة حملة إعدامات مكثفة في صفوف هؤلاء الفلسطينيين، وقد ترافقت حملة الإعدامات مع قيام جرافات الصهاينة بإزالة المخيم من الوجود، ودفن مئات الجثث في حفرة عميقة أحدثتها في الساحة المركزية للمخيم وردمتها بالجير الحي والإسمنت، ومنعت قوات الاحتلال وسائل الإعلام العالمية وسيارات الإسعاف ووكالات الإغاثة من دخول المخيم  في محاولة لإخفاء معالم جريمتها النكراء(20).

وبناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة أعد أمينها العام تقريرا حول مجزرة جنين وصفته منظمة العفو الدولية والمنظمة الأمريكية لمراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) وغيرهما من المنظمات الدولية بأنه غير موضوعي ومجحف بحق الفلسطينيين. وذكرت هذه المنظمات أن الأمم المتحدة رضخت لإرادة الكيان المحتل عندما منعت لجنة تقصي الحقائق الدولية من دخول المخيم ولم تحرك ساكناً بل اكتفت بما قدمته سلطات الاحتلال من معلومات عما حدث في المخيم. (21)

وقائمة المجازر والجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الصهيونية طويلة ولا مجال لحصرها والتي تنتهك فيها بشكل سافر أحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 غشت 1949 المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، والعناية بالجرحى والمرضى ومعاملة أسرى الحرب، واتفاقية جنيف المؤرخة في 10 أكتوبر 1980 المتعلقة بحظر أو تقييد استعمال بعض الأسلحة، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المؤرخة في 9 ديسمبر 1943، واتفاقية لاهاي المؤرخة في 14 ماي 1954 المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية كالمساجد والمدارس والبنايات التاريخية، حيث يسجل المراقبون الدوليون أن العمليات العسكرية للكيان الصهيوني تستهدف أساسا المدنيين ولا تخلو من استعمال الأسلحة الفتاكة والمحظورة دوليا وتهدر أرواح المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يتمسكون بحقهم في العيش بأرضهم وأرض أجدادهم، ويتم إطلاق الرصاص الحي على الأطفال والشباب الفلسطينيين في انتفاضاتهم ضد الاحتلال، والاعتداء على المقدسات الدينية وتغيير المعالم التاريخية والاعتداء على الوحدات الطبية وإعاقة عملها في إسعاف الجرحى واغتيال عشرات القادة الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وخارجها، وتقييد حرية التنقل في الضفة الغربية وإقامة جدار الفصل العنصري، وتتواصل الاعتداءات على غزة بالقصف الجوي والبري والبحري مما يؤدي لسقوط أعداد هائلة من الشهداء في صفوف المدنيين وتخريب العمران بما فيها من مدارس ومستشفيات وأماكن العبادة ولا تتوقف عمليات القتل وتخريب البيوت وانتزاع الأراضي من أصحابها لبناء المستوطنات للصهاينة المحتلين.

وكل المحاولات التي تبذلها المنظمات الدولية ذات الأهداف الحقوقية والإنسانية كمنظمة العفو الدولية، والصليب الأحمر الدولي، أو اللجن التي تشكلها منظمة الأمم المتحدة لتقصي  الحقائق في الأراضي المحتلة، تعترض عليها السلطة العسكرية الصهيونية وترفض أي تعاون مع أي مبادرة للتدخل سواء كان يهدف إلى كشف الحقائق أو كان له بعد إنساني يرمي للحد من الآلام التي تخلفها العمليات العسكرية أو إسعاف الجرحى.. وترفض حكومة الكيان المحتل الاعتراف بان اتفاقية جنيف الرابعة (الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب) تنطبق على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الموقف الذي اعتبرته منظمة الصليب الأحمر الدولي المعروفة بحيادها يتعارض مع أحكام القانون الدولي الإنساني، مما يعني الإصرار على الانتهاك المقصود لهذا القانون.

ومن المؤسف أن موازين القوى على المستوى الدولي تخدم مصالح القوى العظمى على حساب مبادئ العدل والإنصاف، ومنظمة الأمم المتحدة نفسها تهيمن عليها قوى الطغيان الدولي التي تجسد الاستعمار بأشكاله الجديدة والتي تدعم بقوة الكيان الغاصب لأرض فلسطين مما يعطي الضوء الأخضر لقوات الاحتلال لمواصلة اعتداءاتها وانتهاكاتها دون اكتراث بالقيم الإنسانية التي جاء القانون الدولي الإنساني لحمايتها خلال النزاعات المسلحة ويجعل مجرمي الحرب الصهاينة في مأمن من العقاب، وهذا يفسر تعنت وغطرسة سلطات الاحتلال وتحديها للمنظمات الدولية.

ومن المؤسف أيضا أن الصف العربي ولإسلامي، الذي من المفترض أن يكون إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من الاحتلال واستعادة حقوقه الوطنية المغصوبة، وأن يمارس الضغوط اللازمة لفرض احترام المواثيق الدولية ومنها القانون الدولي الإنساني، من المؤسف أن هذا الصف يعاني من التمزق والتشرذم بسبب التبعية للقوى الداعمة للكيان الصهيوني من جهة، وتغييب إرادة الشعوب من جهة ثانية.

ولا يبق للشعب الفلسطيني سوى حقه المشروع في مقاومة الاحتلال الصهيوني الإرهابي والعنصري وفضح الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال تدعمه كل القوى المحبة للسلام الذي لا يمكن استتبابه إلا على أساس العدل والإنصاف بتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

ــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

  • شريف عتلم، محاضرات في القانون الدولي الإنساني، منشورات بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، 2001، ص 10.
  • أحمد أبو الوفا، القانون الدولي الإنساني، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ص 7.
  • وعد أو تصريح بلفور بالإنجليزية (Balfour Declaration) هو الإسم الشائع المطلق على رسالة آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر بتاريخ 2 نونبر 1917 يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين (ويكيبيدا الموسوعة الحرة، وعد بلفور)
  • مجزرة بلدة الشيخ، ويكيبيدا الموسوعة الحرة، مذابح في فلسطين
  • مجزرة دير ياسين، موسوعة النكبة، مؤسسة إبداع للدراسات والأبحاث والتدريب
  • مجزرة أبو شوشة موسوعة النكبة م س
  • موقع كي لا ننسى، قرية الطنطورة
  • المرجع السابق، قرية قبية
  • موقع فلسطين أون لاين مذبحة قلقيلية
  • ويكيبيدا الموسوعة الحرة، كفر قاسم
  • موسوعة النكبة، م س، مجزرة خان يونس
  • م س مجزرة صبرا وشاتيلا
  • موقع قناة العالم، الإبادة الجماعية في صبرا وشاتيلا
  • سامح خليل الوادية، المسؤولية الدولية عن جرائم الحرب الإسرائيلية، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت ص 162.
  • المادة الأولى من اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لسنة 1968.
  • تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكوفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 ـ خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس ـ قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.
  • المركز الفلسطيني للإعلام، مجزرة الحرم الإبراهيمي لا تسقط بالتقادم.

اترك تعليقاً